أسمى خضر: مسيرة سياسية وحقوقية ملهمة في الدفاع عن حقوق المرأة في الأردن

تمثل أسمى خضر واحدة من أبرز الشخصيات النسوية والسياسية في العالم العربي، وهي نموذج للمرأة التي كرّست حياتها للنضال الحقوقي والاجتماعي، وساهمت بشكل فعّال في صياغة السياسات العامة الخاصة بحقوق الإنسان وتمكين المرأة في الأردن. هي محامية، وناشطة، وسياسية، شغلت مناصب رسمية مرموقة، وكان لها دور بارز في إصلاحات تشريعية مهمة تتعلق بحقوق النساء والحريات العامة.

يمتد تأثير أسمى خضر إلى عدة ميادين، بدءًا من العمل الحقوقي في المجتمع المدني، وصولاً إلى شغلها لمنصب وزاري رسمي، مرّت فيه بتجربة فريدة في توازن الأدوار بين السياسة والحقوق، وتمكّنت من خلالها من ترك بصمة واضحة على الحياة العامة في الأردن، وعلى الحراك النسوي بشكل خاص.

النشأة والمسيرة التعليمية

وُلدت أسمى خضر في الأردن، ونشأت في بيئة اجتماعية تفاعلت فيها مع قضايا العدالة والمساواة منذ سنوات شبابها الأولى. اختارت دراسة القانون، وهو القرار الذي شكل نقطة تحول محورية في حياتها، حيث وجدت في القانون أداة قوية لتغيير الواقع الاجتماعي، والدفاع عن حقوق الفئات المهمشة، وخاصة النساء.

التحقت بكلية الحقوق في جامعة دمشق، وحصلت على درجة البكالوريوس في القانون، ثم عادت إلى الأردن حيث بدأت ممارسة مهنة المحاماة. هذا التكوين الأكاديمي والمهني أتاح لها الاطلاع العميق على البنية القانونية والتشريعية في البلاد، وعلى الثغرات التي تؤثر على الحقوق الأساسية للمرأة.

الانخراط في العمل الحقوقي والمجتمع المدني

منذ بداياتها، انخرطت أسمى خضر في العمل الحقوقي من خلال مؤسسات المجتمع المدني، وكانت من أوائل الأصوات النسائية التي طالبت بمراجعة القوانين التمييزية ضد النساء. أسست عدة مبادرات تهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان، وشاركت في تأسيس مؤسسات غير حكومية تُعنى برفع الوعي القانوني والاجتماعي بقضايا المرأة.

من بين المنظمات التي لعبت فيها دوراً مؤثراً:

• اللجنة الوطنية لشؤون المرأة

• مركز دراسات المرأة الأردني

• التحالف الأردني لمناهضة العنف ضد المرأة

عملت خضر على حملات إصلاح قانونية ومجتمعية تهدف إلى تعديل قوانين الأحوال الشخصية، والعنف الأسري، وقانون العقوبات الذي كان يحتوي على مواد تمييزية بحق المرأة، مثل المادة 308 التي كانت تُعفي المغتصب من العقوبة إذا تزوج ضحيته. وقادت حراكاً مجتمعياً وإعلامياً مكثفاً ساهم في إلغاء هذه المادة لاحقاً.

تجربتها الوزارية: وزيرة للثقافة

في عام 2003، تم تعيين أسمى خضر وزيرة للثقافة في حكومة رئيس الوزراء فيصل الفايز، لتصبح واحدة من النساء القلائل اللواتي تولين حقائب وزارية في الأردن في ذلك الوقت. وخلال فترة توليها الوزارة، ركزت على دعم الإنتاج الثقافي المحلي، وتوسيع المساحات المتاحة للتعبير الإبداعي، وتشجيع دور المرأة في المشهد الثقافي الأردني.

كما حرصت على دمج القضايا الحقوقية في السياسات الثقافية، إيماناً منها بأن الثقافة هي أحد أهم روافد التغيير الاجتماعي، وأن التمكين الثقافي يعزز من فرص التمكين السياسي والاجتماعي للنساء. وشكلت الوزارة في عهدها منصة لتعزيز الحوار الثقافي حول مفاهيم حقوق الإنسان، والمواطنة، والمساواة.

الناطقة الرسمية باسم الحكومة الأردنية

لم تقتصر مشاركتها في الحياة السياسية على العمل الوزاري فقط، بل تم تعيينها أيضًا ناطقة رسمية باسم الحكومة، وهو موقع استراتيجي مكّنها من التعبير عن سياسات الدولة في مرحلة دقيقة. وقد تميز أداؤها بالشفافية والدقة في تقديم المواقف الحكومية، إضافة إلى الدفاع عن قضايا المرأة وحقوق الإنسان، حتى ضمن الإطار الرسمي.

استثمرت موقعها الحكومي للتأكيد على أهمية إشراك المرأة في صنع القرار، سواء من خلال التمثيل السياسي أو من خلال التأثير في صياغة التشريعات. وشكلت مشاركتها في الحكومة نموذجاً للمرأة التي تجمع بين المهنية العالية والالتزام الحقوقي.

عضويتها في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية

في عام 2021، تم اختيار أسمى خضر ضمن أعضاء اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وهي لجنة ملكية أردنية أُنشئت بتوجيه من الملك عبد الله الثاني للعمل على تطوير قانوني الانتخاب والأحزاب السياسية، وتعزيز المشاركة السياسية، وخاصة بين النساء والشباب.

وقد كان لأسمى خضر دور محوري في الدفع باتجاه توسيع قاعدة التمثيل النسائي في البرلمان، وتخصيص مقاعد كافية للنساء، ودعم الكوتا النسائية باعتبارها أداة مرحلية ضرورية لتحقيق التوازن السياسي في مجتمع لا تزال المشاركة السياسية فيه منقوصة بالنسبة للنساء.

أبرز إنجازاتها الحقوقية والتشريعية

خلال عقود من العمل، ساهمت أسمى خضر في عدد من الإصلاحات التشريعية المهمة التي أثرت بشكل مباشر في تحسين وضع النساء في الأردن. من أبرز هذه الإنجازات:

مواقفها من قضايا الجندر والإصلاح السياسي

تميزت مواقف أسمى خضر بالوضوح والجرأة في نقد الأطر الاجتماعية والسياسية التي تعيق تقدم المرأة. وكانت تدعو باستمرار إلى مراجعة شاملة للثقافة المجتمعية السائدة التي تقيد النساء وتهمش أدوارهن. كما أكدت على أهمية التربية الحقوقية، والإعلام التوعوي، والدور المركزي للمدرسة والجامعة في بناء جيل واعٍ بحقوقه وملتزم بمبادئ المساواة.

في أكثر من مناسبة، أكدت خضر أن إصلاح أوضاع المرأة لا يقتصر على تعديل القوانين فقط، بل يتطلب تغييرات جذرية في العقل الجمعي، وهي مهمة تتطلب تضافر الجهود بين المؤسسات الرسمية، ومنظمات المجتمع المدني، والإعلام، والنخب الثقافية والفكرية.

تكريمات وجوائز

تم تكريم أسمى خضر عدة مرات تقديراً لمسيرتها الحافلة بالعطاء، ومن أبرز الجوائز التي حصلت عليها:

• وسام الاستقلال الأردني من الدرجة الأولى

• جائزة حقوق الإنسان من الأمم المتحدة – فرع الأردن

• تكريم من مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية

• شهادات تقدير من مؤسسات نسوية وحقوقية عربية ودولية

تمثل هذه الجوائز إقراراً دولياً بدورها المؤثر في دعم حقوق الإنسان، وتمكين المرأة، والإصلاح السياسي والاجتماعي.

إرثها وتاريخها في الوعي الجمعي الأردني

تركز إرث أسمى خضر في ذهنية الأردنيين والعرب ليس فقط كمسؤولة سياسية أو حقوقية، بل كرمز من رموز النضال النسوي المتزن. فهي لم تكن صوتاً معارضاً لمجرد المعارضة، بل كانت دائماً تسعى إلى التغيير من الداخل، عبر التفاوض، وبناء التحالفات، والتراكم التدريجي للإنجازات.

تمكنت من أن تكون جسراً بين الدولة والمجتمع المدني، وبين السياسة والحقوق، وبين القانون والميدان، وهو ما جعل تجربتها نموذجاً يُحتذى به للناشطات والسياسيات في العالم العربي.

أعمالها الفكرية والمقالات المنشورة

إلى جانب نشاطها الحقوقي والسياسي، ساهمت أسمى خضر في إغناء الخطاب الفكري حول قضايا المرأة من خلال مشاركاتها في المؤتمرات، والمقالات المتخصصة، والأبحاث التي تناولت إشكاليات التمييز، والعنف، ودور التشريعات في التمكين السياسي والاقتصادي للمرأة.

من أبرز مقالاتها وتحليلاتها التي لاقت انتشاراً واسعاً:

• “المرأة بين النص القانوني والتطبيق القضائي”

• “الإصلاح السياسي من منظور جندري”

• “التمكين القانوني للمرأة: أداة التغيير المستدام”

أثرها في الجيل الجديد

نجحت أسمى خضر في إلهام جيل كامل من النساء والناشطين الحقوقيين الذين اقتدوا بنهجها في الجمع بين العمل المؤسسي والنضال المجتمعي. وقد أسهمت في إعداد وتدريب العديد من القيادات النسائية الشابة من خلال ورش العمل والدورات التدريبية، وجعلت من مكتبها الحقوقي ومنصاتها منابر لتأهيل كوادر جديدة قادرة على مواصلة المسيرة.

هذا التأثير المستدام هو أحد أهم إنجازاتها، إذ لم تكتفِ بخوض المعارك الحقوقية، بل عملت على ضمان استمراريتها من خلال بناء جيل واعٍ ومُسلّح بالمعرفة القانونية والإيمان بقيم العدالة والمساواة.

خاتمة

تشكل أسمى خضر علامة فارقة في مسيرة النضال الحقوقي والسياسي في الأردن والعالم العربي، ليس فقط من خلال المناصب التي شغلتها أو القوانين التي ساعدت على تعديلها، بل من خلال رؤيتها الشاملة التي جمعت بين الفكر والممارسة، وبين المبادرة الفردية والعمل المؤسسي. إن تجربتها تمثل حجر أساس لكل جهد يُبذل في سبيل العدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان، وكرامة المرأة العربية، وتستحق أن تُدرّس كنموذج في مدارس العمل العام والقيادة الحقوقية.

المراجع:

1. اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة – تقارير ومقالات رسمية

2. مركز تمكين للدراسات القانونية والاجتماعية – ملفات حقوقية متعلقة بإلغاء المادة 308