حكم الصلاة بين السواري في المسجد
تعد الصلاة ركنًا أساسيًا من أركان الإسلام، وفرضًا على كل مسلم بالغ عاقل. ولأن الصلاة في جماعة هي من أعظم الأعمال التي يمكن للمسلم أن يؤديها، يتعين على المسلم أن يراعي العديد من الآداب والضوابط أثناء أداء الصلاة في المساجد، ومن أبرز هذه الضوابط مسألة الصلاة بين السواري في المسجد. في هذا المقال، سيتم تناول حكم الصلاة بين السواري من الناحية الفقهية مع استعراض الآراء المختلفة لأهل العلم، وكذلك شرح الأسباب التي جعلت هذا الموضوع يحظى بهذا القدر من الاهتمام.
تعريف السواري
السواري جمع سارية، وهي الأعمدة التي توضع لدعم سقف المسجد أو بناءاته. في العصور القديمة، كانت المساجد تُبنى باستخدام الأعمدة الكبيرة من الحجر أو الخشب لتثبيت الأسقف الضخمة، وهذه الأعمدة تُسمى “السواري”. وفي المساجد الحديثة، لا يزال المصطلح يُستخدم للإشارة إلى الأعمدة التي تساهم في تعزيز الهيكل المعماري للمسجد، سواء كانت هذه الأعمدة حاملة أو ديكورية. وفي بعض الحالات، قد تكون هذه الأعمدة قريبة جدًا من أماكن الصلاة، مما يثير تساؤلات حول حكم الصلاة بين السواري.
حكم الصلاة بين السواري في المذاهب الفقهية
إن مسألة الصلاة بين السواري لم تكن مسألة مستحدثة في الفقه الإسلامي، بل كانت موضوعًا حيويًا في فقه الصلوات منذ زمن الصحابة والتابعين، حيث تختلف آراء الفقهاء في حكم الصلاة بين السواري وفقًا للمذاهب الفقهية المختلفة.
-
المذهب الحنفي:
في المذهب الحنفي، يعتبر الفقهاء أن الصلاة بين السواري لا تُعتبر منهيًا عنها إلا إذا كانت السارية في مكان يؤدي إلى حجب جزء من جسم المصلي أثناء الصلاة. ولكن إذا كانت السارية لا تعيق حركة المصلي أو لا تمنعه من أداء الصلاة بتركيز، فإن الصلاة بين السواري تكون جائزة ولا بأس بها. كما أن الحنفية يوصون بعدم الصلاة في الأماكن التي توجد فيها السواري التي قد تتسبب في تشتيت انتباه المصلي، لكنهم لا يعتبرونها محرمًا إذا كانت لا تعيق الصلاة بشكل كبير. -
المذهب المالكي:
يرى المالكية أن الصلاة بين السواري مكروهة، خاصة إذا كانت السارية تحجب بعض الأجزاء من المصلي. وقد استدلوا بذلك على بعض الأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم التي تشير إلى كراهية الصلاة بين السواري. من المعروف أن المالكية يفضلون أن يكون المصلي في مكان لا يعوقه شيء عن أداء الصلاة بشكل صحيح، ومن هنا جاءت كراهية الصلاة بين السواري. -
المذهب الشافعي:
في المذهب الشافعي، تعتبر الصلاة بين السواري جائزة ولا حرج فيها إذا كانت السارية لا تعيق حركة المصلي أو تشتت انتباهه. ولكن في حال كانت السارية تمنع المصلي من السكون التام أو تؤثر على تركيزه في الصلاة، يُفضل تجنب الصلاة في ذلك المكان. لا يذهب الشافعية إلى تحريم الصلاة بين السواري، ولكنهم يشيرون إلى أنه من الأفضل تجنب ذلك إذا كان من شأنه التأثير على أداء الصلاة. -
المذهب الحنبلي:
يشترط الحنابلة في الصلاة بين السواري أن تكون السارية في مكان لا تحجب جزءًا من المصلي أو تزعجه. فبناءً على الحديث الصحيح الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، يرى الحنابلة أن الصلاة بين السواري قد تكون غير مستحبة إذا كانت السارية تضعف التركيز أو تؤدي إلى تشويش في الصلاة. ويجب أن يحرص المصلي على أن يكون محاطًا بمساحة كافية تسمح له بالتركيز في صلاته دون أية عوائق.
أسباب كراهة الصلاة بين السواري
تختلف أسباب الكراهة حسب المذهب، ولكن هناك عوامل مشتركة تؤدي إلى الكراهة أو التحفظات بشأن الصلاة بين السواري. من أبرز هذه الأسباب:
-
الحيلولة دون السكون التام:
من أبرز المشكلات التي قد يواجهها المصلي عندما يصلي بين السواري هي فقدان السكون التام، وهو أحد أركان الصلاة الأساسية. فقد يؤدي وجود الأعمدة إلى انشغال المصلي بحركة جسمه حول السارية، مما يقلل من قدرته على الخشوع والتركيز في الصلاة. -
إعاقة الرؤية أو حجب بعض الأجزاء:
في بعض الحالات، قد تتسبب السواري في حجب بعض أجزاء من جسم المصلي، وخاصة إذا كانت السارية قريبة جدًا من مكان الصلاة. قد يؤدي هذا إلى تشويش في الصلاة ويشعر المصلي بالانزعاج لأنه لا يستطيع القيام بحركات الصلاة بشكل صحيح. -
تشتيت انتباه المصلي:
كثيرًا ما يُحظر على المصلي الصلاة في أماكن تحتوي على عوامل تشتت انتباهه. وفي بعض المساجد القديمة التي تحتوي على العديد من الأعمدة، قد يواجه المصلي صعوبة في التركيز بسبب الأعداد الكبيرة من السواري المنتشرة في المسجد. وهو ما يجعل من الصعب على المصلي المحافظة على الخشوع. -
عدم استقامة الصفوف:
في بعض الأحيان، قد تؤدي السواري إلى انقطاع أو عدم استقامة الصفوف في الصلاة، خاصة إذا كانت الأعمدة تقع بين صفين متقابلين. وهذا يعيق تماسك الصفوف ويسبب الفوضى، مما يؤثر على أداء الصلاة بشكل صحيح.
استثناءات وحالات لا بأس فيها
رغم أن الصلاة بين السواري قد تكون مكروهة في بعض الحالات، إلا أن الفقهاء أجمعوا على أنها جائزة في حالات معينة، وهي:
-
إذا كانت السارية لا تؤثر على الصلاة:
إذا كانت السارية موجودة في مكان لا تؤثر على أداء الصلاة ولا تعيق حركات المصلي، فلا بأس من الصلاة بين السواري. -
إذا كان المسجد ضيقًا أو مكتظًا:
في بعض المساجد القديمة أو التي تكون مكتظة بالمصلين، قد لا توجد أماكن أخرى للصلاة بعيدًا عن السواري. في مثل هذه الحالات، يجوز الصلاة بين السواري مع الحرص على أداء الصلاة بتركيز وراحة. -
في حالة الضرورة:
إذا كانت الصلاة في مكان آخر غير بين السواري غير ممكنة بسبب ازدحام المسجد أو غياب المساحات المناسبة للصلاة، فإن المصلي يمكنه الصلاة بين السواري دون إثم.
كيفية تجنب الصلاة بين السواري
لتجنب الصلاة بين السواري، يُفضل للمسلم أن يحرص على اختيار مكان في المسجد بحيث يكون بعيدًا عن الأعمدة قدر الإمكان. من الأفضل البحث عن مكان في الصفوف الأمامية أو الجوانب التي تحتوي على أقل عدد من الأعمدة. كما يمكن للمساجد الحديثة التي تستخدم تقنيات بناء متطورة تصميم المساجد بحيث تكون الأعمدة بعيدة عن أماكن الصلاة الرئيسية.
الخاتمة
في النهاية، تبقى مسألة الصلاة بين السواري في المسجد مسألة فقهية قد اختلف فيها العلماء، وقد كانت هذه المسألة محورًا للاجتهادات الفقهية عبر العصور. يتضح من خلال الآراء المختلفة أنه رغم الكراهة التي يراها بعض الفقهاء للصلاة بين السواري، إلا أن ذلك لا يصل إلى حد التحريم في جميع الحالات. المهم في الأمر أن يحاول المصلي أن يختار المكان الأنسب الذي يساعده على أداء الصلاة بتركيز وراحة، مع مراعاة الظروف التي قد تطرأ في مساجد مكتظة أو قديمة.
