أسباب قطيعة الرحم وعلاجها

أسباب قطع صلة الرحم وعلاجها

تُعدُّ صلة الرحم من أعظم القربات التي حثّ عليها الإسلام، وجعل لها من الثواب ما لا يُحصى، وجعل قطيعتها من الكبائر التي تُوجب الإثم وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة. وقد قرن الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه الكريم بين التقوى وصلة الأرحام، مما يدل على شرف هذه العبادة وعلو منزلتها. ومع ذلك، فإنّ قطيعة الرحم باتت ظاهرة منتشرة في المجتمعات، تتفشى بصور متعددة وتزداد تعقيدًا مع مرور الزمن. يعود ذلك إلى أسباب كثيرة ومركبة نفسية واجتماعية واقتصادية وثقافية. يستوجب هذا المقال بيانًا دقيقًا لهذه الأسباب، وتفصيلًا للوسائل العلاجية المستندة إلى الكتاب والسنة، وإلى علم النفس والاجتماع، بهدف استئصال هذه الآفة الاجتماعية من جذورها.

أولًا: تعريف صلة الرحم وأهميتها في الإسلام

صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب بالقول والفعل، وتكون بالزيارة، والاتصال، والمساعدة، والتراحم، وتفقد الأحوال، ومشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم. والرحم تشمل كل الأقارب من جهة الأب أو الأم، وقد اختلف العلماء في حدّها الأدنى، إلا أن المتفق عليه أنها تشمل الوالدين، والإخوة، والأعمام، والعمات، والأخوال، والخالات، وأبناءهم.

ورد في فضل صلة الرحم قول النبي ﷺ:

“من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه”

(رواه البخاري ومسلم).

كما قال تعالى في سورة الرعد:

﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ [الرعد: 21].

هذه النصوص تدل على أن صلة الرحم سبب في سعة الرزق، وطول العمر، وبركة الحياة، بينما قطيعتها من موجبات اللعن والعقوبة في الدنيا والآخرة.

ثانيًا: الأسباب المؤدية إلى قطيعة الرحم

1. الجهل بالدين

من أبرز أسباب قطيعة الرحم ضعف المعرفة بالأحكام الشرعية المتعلقة بحقوق الأقارب، وجهل الكثير من الناس بعظمة الصلة وخطورة القطيعة. وفي ظل هذا الجهل، يُبرّر البعض انقطاعه عن أرحامه بأعذار واهية لا تصح شرعًا، مثل: “هم لا يزورونني”، أو “هم لا يستحقون”، أو “لقد آذوني”.

2. الكبر والأنانية وحب الذات

يتعاظم الكبر في النفوس حتى يجعل الإنسان يرى نفسه فوق الآخرين، ولا يُرضيه إلا أن يكون موصولًا دون أن يُبادر هو بالوصال، فإذا أحسّ أن مكانته لم تُحترم، أو أن أحد الأقارب لم يُجله بالشكل الكافي، امتنع عن التواصل، مما يؤدي إلى قطيعة متبادلة.

3. الحسد والحقد والمنافسات العائلية

الغيرة من النعمة التي حازها قريب ما، سواء كانت مالًا أو جمالًا أو مكانة، قد تُثمر حسدًا يتحول إلى كره، ثم قطيعة. كما أن التنافس بين الإخوة أو أبناء العم قد يُؤدي إلى توترات مستمرة تقطع حبال الود.

4. الخلافات على الإرث والمال

يُعد المال من أقوى مسببات الشقاق العائلي. ما إن يموت الوالدان أو أحد الأقارب حتى تبدأ الخلافات حول تقسيم التركة، وتطفو على السطح مشاكل مكبوتة، فتتحول العلاقات من مودّة إلى عداء مستحكم لا يهدأ لعقود.

5. الزواج وتدخل أطراف خارجية

قد يؤدي الزواج إلى تغيير في العلاقات العائلية، حيث يتأثر الزوج أو الزوجة بآراء الأسرة الجديدة، وقد يتدخل أحد الأطراف ليُفسد العلاقة بين الأبناء وذويهم. وتتحول هذه التدخلات إلى بذور قطيعة، خصوصًا إذا لم يُحسن الطرف المتزوج إدارة علاقاته الجديدة والمتوارثة.

6. الانشغال بالحياة المادية وتسارع نمط العيش

في ظل ضغط العمل وتكاثر المسؤوليات، ومع هيمنة التكنولوجيا، يقل التواصل الواقعي وتُستبدل الزيارات بالمحادثات السريعة. وقد يغيب البعض عن أقاربه لأشهر وربما سنوات، بحجة “الانشغال”، مما يورث الجفوة، ثم الجفاء، ثم القطيعة.

7. سوء الظن وتضخيم المواقف

كثير من حالات القطيعة تبدأ من موقف صغير يُساء فهمه، أو من كلمة عابرة تُحمّل على غير معناها، ثم يتراكم التأويل والتخمين حتى يترسّخ سوء الظن. وإذا لم تُبادر الأطراف بالتوضيح، تصير القطيعة واقعًا.

8. عدم التحلي بالصبر وسرعة الغضب

قلة الصبر والتسرّع في رد الفعل من عوامل هدم العلاقات. بعض الناس لا يحتمل الخطأ من أقاربه، فيُقابل الزلة بقطيعة، ويُقابل الخطأ الصغير بعقوبة دائمة.

9. تأثير الإعلام والتغيّر الثقافي

يُروّج الإعلام الحديث لقيم الفردانية والاستقلال والخصوصية الزائدة على حساب الروابط الأسرية. وتُصور المسلسلات والأفلام العلاقات العائلية على أنها عبء أو مصدر للتوتر، مما يغرس في النفوس الشابة قيمًا تغذّي الانفصال والقطيعة.

ثالثًا: الآثار السلبية لقطيعة الرحم

1. الآثار الشرعية

• الوقوع في الكبيرة؛ فقد ورد في الحديث:

  “لا يدخل الجنة قاطع رحم”
  
  (رواه مسلم).

• غضب الله وحرمان البركة في المال والعمر.

• الحرمان من دعاء الملائكة، ومن استجابة الدعاء.

2. الآثار النفسية

• الشعور بالوحدة والاكتئاب وافتقاد الدعم العاطفي.

• تأنيب الضمير والتوتر عند رؤية الآخرين يعيشون في أجواء أسرية دافئة.

• زيادة القلق الاجتماعي خاصة في المناسبات.

3. الآثار الاجتماعية

• تفكك الأسرة وتدهور النسيج الاجتماعي.

• ضياع الأطفال في بيئة غير متماسكة.

• تضاؤل فرص التعاون العائلي في مواجهة الأزمات.

4. الآثار الاقتصادية

• فقدان شبكات الدعم المالي والمعنوي التي تتوفر من خلال الأسرة الممتدة.

• زيادة الأعباء على المؤسسات الاجتماعية والدولة لرعاية الفئات المهمشة.

رابعًا: علاج قطيعة الرحم

1. التوعية الشرعية

ينبغي للعلماء والدعاة أن يُبرزوا مكانة صلة الرحم في الخُطب والمحاضرات والبرامج الإعلامية. كما يجب تضمين المناهج الدراسية دروسًا تطبيقية عن بر الوالدين وصلة الأقارب.

2. البدء بالمبادرة وعدم انتظار المقابل

ورد في الحديث الشريف:

“ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها”

(رواه البخاري).

ينبغي أن يُربى الفرد على العطاء والبذل في صلة الرحم حتى لو قابله الطرف الآخر بالجفاء، لأن الأجر من الله، لا من البشر.

3. التحلي بالحلم والصبر والتغاضي عن الزلات

العلاقات القريبة تحتمل الاحتكاك، لكن الصبر والتغاضي والتسامح يُعيد الأمور إلى نصابها. قال الله تعالى:

﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [فصلت: 34].

4. الإصلاح والتدخل من أهل الخير

قد تتفاقم الأمور بين الأقارب لدرجة تستعصي على الحل الذاتي. هنا تظهر أهمية تدخّل الحكماء من الأقارب أو الأصدقاء المقربين أو الأئمة لإعادة جسور التواصل.

5. إعادة تنظيم الأولويات في الحياة

ينبغي أن يُخصص الإنسان وقتًا ثابتًا للتواصل العائلي، ولو عبر وسائل الاتصال الحديثة. الزيارات الدورية، والرسائل الأسبوعية، والتهنئة في المناسبات، كلها تُعيد للرحم دفأها.

6. التحكم في الغضب والتعامل مع المشكلات بموضوعية

يجب أن يتعلّم الناس فنّ الحوار، والقدرة على التعبير عن المشاعر دون انفعال. كما أن تحليل المواقف بموضوعية، والتفرقة بين المقصود وغير المقصود، يجنّب الكثير من الخلافات.

7. استخدام وسائل العصر في الصلة

إذا حالت المسافات أو الظروف دون الزيارة، فيمكن استخدام الهاتف، أو التطبيقات المرئية، أو حتى الرسائل الصوتية والنصية كوسيلة لبقاء الودّ موصولًا.

8. إصلاح ما أفسدته المنازعات المالية

من الضروري حلّ المشكلات المالية العالقة بشكل عادل وشرعي، واستشارة ذوي الخبرة أو الجهات القضائية عند الضرورة، وعدم جعل المال سببًا لهدم العلاقات المقدسة.

9. تقوية الجانب الإيماني والروحي

كلما زاد الإيمان، زاد الشعور بالواجبات تجاه الآخرين، وخاصة الأقارب. قراءة القرآن، وصحبة الصالحين، والمواظبة على الدعاء بصلاح ذات البين، كلها تُعين على إصلاح ما فسد.

جدول: مقارنة بين سلوك الواصل والقاطع للرحم

خامسًا: نماذج عملية لصلة الرحم

• زيارة الأقارب الكبار في السن وإدخال السرور عليهم.

• مشاركة أبناء العمومة في أفراحهم ونجاحاتهم.

• تخصيص يوم عائلي شهري يجمع العائلة.

• إنشاء مجموعة تواصل إلكترونية لتقوية الروابط.

• دعم أحد الأقارب في أزمة مالية دون منّ أو أذى.

المراجع

1. صحيح البخاري – دار طوق النجاة، حديث رقم (5988).

2. تفسير ابن كثير – دار طيبة، تفسير سورة الرعد.