سورة الحجر هي إحدى السور المكية التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، وهي السورة الخامسة عشرة في ترتيب المصحف الشريف. رغم أنها لم تُعطَ اهتمامًا واسعًا مثل بعض السور الأخرى التي تحمل معاني واضحة لها علاقة بأحداث حياة النبي أو أحداث تاريخية معينة، إلا أن اسم “سورة الحجر” يحمل في طياته الكثير من الرمزية والمعاني التي تتسق مع مضمون السورة وآياتها.
معنى اسم السورة
تُسمى السورة “الحجر” نسبةً إلى “أهل الحجر”، وهم قوم النبي صالح عليه السلام الذين كانت لهم حضارة عظيمة في منطقة تُسمى “مدائن صالح” بالقرب من المدينة المنورة. يقال أن أهل الحجر كانوا يسكنون في بيوت محفورة في الصخور، لذلك أُطلق عليهم اسم “أهل الحجر”. وقد تركز الحديث في السورة على هلاك هؤلاء القوم بسبب كفرهم وتمرّدهم على دعوة نبيهم صالح.
أحداث السورة ومحتواها
تبدأ السورة بالحديث عن مشهد كوني عظيم، حيث يُذكر أن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم ذكر أن الإنسان في رحلة تحدي وإصرار على الكفر. فكما كان هناك تكذيب من قبل قوم صالح عليه السلام، هناك أيضًا حديث عن تكذيب المكذبين للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة. لذلك، تركز السورة على مسألة الإيمان والطغيان، وكيف أن الأمم التي تجحد بآيات الله ويُكذّبون الأنبياء ينالهم العذاب في النهاية.
موضوعات السورة الرئيسية
1. الخلق ونعمة الله
إحدى الآيات التي تتناول هذه الحقيقة هي الآية التي تقول: “وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُهُلًا لَّكَيْ يَحْتَسِي وَيَحْتَسِي” (سورة الحجر، الآية 19). هذه الآية تشير إلى عظمة خلق الله وتوزيع النعم التي لا تُعد ولا تُحصى في الأرض. تلك النعم التي كانت، وما زالت، تتطلب شكرًا وعبادة، وهو ما تجاهله أعداء الأنبياء وأدى إلى هلاكهم.
2. الحديث عن أمتين هالكتين
أحد الأجزاء الهامة في السورة هو ما يتعلق بقصص الأمم التي هلكت بسبب تكذيبها برسالات الأنبياء. قوم عاد وثمود، على سبيل المثال، هما من أكثر الأمم التي تم ذكرها في السورة. ومع توالي الآيات، يظهر بوضوح أن الله سبحانه وتعالى قد أحاط بالهلاك في النهاية بكل الأمم التي جحدت النبوة.
تُعد قصة أهل الحجر واحدة من أبرز القصص التي تظهر فيها السورة. كان هؤلاء القوم يسكنون في مناطق صخرية وكانوا يرفضون الإيمان بدعوة نبيهم صالح، مما جعلهم من الأمم التي جاءها العذاب في النهاية. فهذه الآية تمثل تذكيرًا حيويًا للأمة الإسلامية بأنه إذا لم تأخذ بعين الاعتبار رسائل الأنبياء وتتبنى منهاج الله، فسوف تواجه ما واجهته الأمم السابقة.
3. الحديث عن النصر والتثبيت
سورة الحجر تحمل أيضًا رسالة تطمين للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بأن النصر قادم لا محالة، مهما كان الهجوم من قبل المشركين. ففي مواجهة كفر وتكذيب قريش، تأتي السورة لتؤكد على أن الله مهيمن على كل شيء، وأن الذي يهين رسل الله سيحظى بعقاب شديد.
“إِنَّا جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ” (سورة الحجر، الآية 16) تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى يحفظ الأرض والسماوات، وكل شيء تحت سلطانه. هذه الآية تأتي لتثبت للنبي أن العواقب ليست في يد البشر بل في يد الله عز وجل.
4. الحديث عن الشيطان ورفضه للسجود
ومن ضمن موضوعات السورة المهمة أيضًا، إخبارنا عن رفض إبليس السجود لآدم عليه السلام بسبب تكبره. في الآية: “فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ” (سورة الحجر، الآية 31)، نتعرف على كيف أن الشيطان تمرد على أمر الله ورفض السجود. هذا الرفض لم يكن مجرد مخالفة أو عصيان بل كان بداية للعداء الكبير بين إبليس وبني آدم.
هكذا يعكس ذكر إبليس في السورة، كيف أن الطغيان والتكبر يمكن أن يكون سببًا في فقدان النعم والمغفرة من الله.
5. الحديث عن الوحي القرآني
في السورة أيضًا، نجد تأكيدًا على حقيقة القرآن الكريم وكونه وحيًا من عند الله تعالى، حيث يقول الله تعالى: “وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ” (سورة الحجر، الآية 23)، وهذا تعبير عن ضرورة إيمان المكذبين برسالة القرآن والعمل بموجب تعاليمه.
6. الذكر الخاص لعذاب جهنم
تتضمن السورة أيضًا حديثًا عن العذاب الذي سيحل بالمكذبين يوم القيامة، ويأتي هذا التنبيه في إطار رسالة تحذيرية للمشركين في مكة المكرمة. في الآية “إِنَّا أَهْلَكْنَا فِيهَا قَرْيَةً وَفَجَّرْنَا فِيهَا قُدُورًا” (سورة الحجر، الآية 16)، يتأكد القارئ من أن الله قادر على تدمير جميع المكذبين في أي وقت شاء، وأنه ليس هنالك من أحد يستطيع النجاة من هذا العذاب إذا تمادى في الكفر والطغيان.
الدروس المستفادة من السورة
-
قوة الله وقدرته: هذه السورة تبرز قدرة الله سبحانه وتعالى على خلق السماوات والأرض وتدمير الأمم الظالمة.
-
أهمية الالتزام بتعاليم الأنبياء: إن التزام الإنسان برسالة الأنبياء هو الطريق الوحيد للهداية والنجاة.
-
التذكير بالمصير المحتوم: تذكر السورة أن المكذبين سيواجهون مصيرهم المحتوم إن استمروا في طغيانهم. فلا مفر من عذاب الله.
-
صبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم: السورة توضح أهمية الصبر في مواجهة المكذبين وتؤكد على أن النصر في النهاية سيكون حليف المؤمنين.
-
تحذير من التكبر والطغيان: الرفض من إبليس للسجود لآدم عليه السلام يعد تحذيرًا للمكذبين والمتكبرين بأنهم سيواجهون مصيرًا مشابهًا إذا استمروا في غيهم.
الخاتمة
سورة الحجر ليست مجرد سرد تاريخي لأحداث مرت بها الأمم السابقة بل هي دعوة للتأمل في معاني القوة الإلهية، وضرورة الإيمان برسالات الأنبياء، والتحذير من التكبر والطغيان الذي يفضي إلى الهلاك. ومع أن هذه السورة تحمل في طياتها ذكرًا للأمم البائدة، إلا أنها تفتح الأفق أمام كل مؤمن ليعكس أفكارًا تجعله أكثر استعدادًا للطاعة والانقياد لرسالة الإسلام، خصوصًا في مواجهة الصعوبات والتحديات الحياتية.
