أسباب غياب نبض الجنين

ما سبب عدم وجود نبض للجنين؟

يُعد اكتشاف غياب نبض الجنين من أكثر اللحظات المؤلمة التي قد تمر بها المرأة خلال فترة الحمل. يُشكّل نبض الجنين أحد أهم المؤشرات الحيوية على نموه الطبيعي داخل الرحم، وغالبًا ما يكون سماعه لأول مرة لحظة مفعمة بالأمل والبهجة لكل من الأم والأسرة. لكن في بعض الحالات، قد يفاجئ الطبيب الأم بعدم القدرة على رصد هذا النبض، مما يثير القلق والتساؤلات عن الأسباب المحتملة لذلك.

يتطلب فهم أسباب غياب نبض الجنين تحليلاً شاملاً للعديد من العوامل البيولوجية والمرضية، إلى جانب معرفة كيفية تطوّر الحمل، والتوقيت المتوقع لظهور النبض، ومتى يعتبر غيابه مؤشرًا مرضيًا يستدعي التدخل الطبي. سنتناول في هذا المقال الموسّع مختلف الأسباب الطبية المرتبطة بعدم وجود نبض للجنين، مع شرح التفاصيل العلمية الدقيقة لكل حالة.

متى يظهر نبض الجنين؟

في الأحوال الطبيعية، يمكن رصد نبض الجنين باستخدام التصوير بالموجات فوق الصوتية (السونار) بين الأسبوع السادس والأسبوع السابع من الحمل. ويكون معدل النبض في البداية بطيئًا نسبيًا (حوالي 90-110 نبضة في الدقيقة)، ثم يتسارع تدريجيًا ليصل إلى ما بين 140-170 نبضة في الدقيقة بحلول الأسبوع التاسع.

مع ذلك، فإن عدم رصد النبض في الأسابيع الأولى لا يعني بالضرورة وجود مشكلة، خاصة إذا لم يتم تحديد عمر الحمل بدقة أو في حالات الإباضة المتأخرة. ومع ذلك، فإن استمرار غياب النبض في مراحل متقدمة، خاصة بعد الأسبوع الثامن، غالبًا ما يشير إلى وجود اضطراب جدي في سير الحمل.

الأسباب المحتملة لعدم وجود نبض للجنين

1. الحمل غير المكتمل (الإجهاض المبكر)

يُعد الإجهاض المبكر (Miscarriage) من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى غياب نبض الجنين، ويحدث عادةً خلال الأسابيع الـ12 الأولى من الحمل. في معظم هذه الحالات، يتوقف الجنين عن النمو بسبب خلل جيني أو بيئي. من العلامات المصاحبة للإجهاض غياب النبض، صغر حجم الكيس الجنيني، وتغيّرات في مستويات هرمون الحمل (hCG).

الأسباب الجينية:

• الطفرات الوراثية أو اختلال الكروموسومات (مثل التثلث الصبغي 16 أو 21).

• عدم اكتمال عملية الانقسام الخلوي المبكرة.

الأسباب البيئية:

• التعرض للسموم أو العدوى (مثل الحصبة الألمانية أو التوكسوبلازما).

• استخدام أدوية غير آمنة خلال الحمل.

2. تقدير خاطئ لعمر الحمل

من الأسباب الشائعة التي تُسبب القلق الزائف حول غياب نبض الجنين هو الخطأ في حساب عمر الحمل. فإذا حدث التبويض متأخرًا عن المتوقع، أو كان الحيض غير منتظم، فقد لا يكون الجنين قد بلغ بعد مرحلة إنتاج النبض القلبي عند إجراء الفحص. في هذه الحالة، يُوصى بإعادة التصوير بالموجات فوق الصوتية بعد أسبوع أو أكثر لتأكيد وجود النبض.

3. الحمل الضعيف أو غير القابل للاستمرار

في بعض الأحيان، قد لا يتطور الحمل بشكل طبيعي رغم أن البويضة قد تم تلقيحها وزُرعت في جدار الرحم. في هذه الحالة، ينمو الكيس الحملي ولكن دون جنين أو دون جنين ينبض. يُطلق على هذه الحالة مصطلح “الحمل اللاجنيني” (Blighted ovum)، وتُعتبر من الأسباب الشائعة للإجهاض الصامت.

4. توقُّف نمو الجنين داخل الرحم (IUFD)

توقُّف نمو الجنين أو ما يُعرف بالموت الجنيني داخل الرحم (Intrauterine Fetal Demise) يحدث عادةً بعد الأسبوع العشرين من الحمل. في هذه الحالة، يتوقف قلب الجنين عن النبض بعد أن كان ينبض بصورة طبيعية، وقد يكون السبب:

• انفصال المشيمة المبكر.

• مشكلات في الحبل السري (مثل التفافه حول الجنين أو انسداده).

• مشاكل مزمنة عند الأم (كالسكري، ارتفاع ضغط الدم، أو الذئبة).

• العدوى داخل الرحم.

5. مشاكل في المشيمة أو الحبل السري

تلعب المشيمة دورًا محوريًا في تغذية الجنين وتزويده بالأوكسجين والعناصر الحيوية. فإذا حدث خلل في وظيفة المشيمة أو الحبل السري، فقد لا يحصل الجنين على حاجته، مما يؤدي إلى وفاته داخل الرحم وغياب النبض.

تشمل هذه المشكلات:

• الانفصال الجزئي أو الكامل للمشيمة.

• انسداد أو التواء الحبل السري.

• ضعف تدفّق الدم في المشيمة نتيجة لتكلّسها أو شيخوختها المبكرة.

6. عدوى داخل الرحم

يمكن لبعض أنواع العدوى الخطيرة أن تؤثر على حياة الجنين، مثل:

• الحصبة الألمانية.

• فيروس CMV.

• التوكسوبلازما (Toxoplasmosis).

• فيروس الهربس.

• الزهري (Syphilis).

عند انتقال العدوى من الأم إلى الجنين، قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة تشمل توقف النبض أو حدوث تشوهات خلقية أو حتى الإجهاض.

7. تشوهات خلقية شديدة

بعض التشوهات القلبية أو الجهازية الحادة قد تمنع الجنين من تطوير جهاز قلبي فعال، مما يؤدي إلى توقف نبضه مبكرًا، وقد لا تظهر هذه التشوهات في المراحل الأولى من الحمل.

8. اضطرابات المناعة الذاتية

الأمهات المصابات بأمراض مناعية ذاتية مثل الذئبة الحمراء (SLE) أو متلازمة أضداد الفوسفوليبيد (APS) يكنّ أكثر عرضة لفقدان الجنين بسبب اضطرابات التخثّر أو مهاجمة جهاز المناعة للمشيمة.

9. الضغط النفسي والتدخين والكحول

تُظهر الدراسات الحديثة أن العوامل البيئية مثل التعرّض المستمر للضغط النفسي الشديد، والتدخين، وتناول الكحول، والمخدرات، قد تسهم في تثبيط نمو الجنين داخل الرحم وتوقف نبضه.

10. أسباب غير معروفة (الحمل الصامت)

في بعض الحالات، لا يتمكّن الأطباء من تحديد السبب المباشر لغياب نبض الجنين رغم إجراء جميع التحاليل والفحوصات. يُطلق على هذه الحالات مصطلح “الإجهاض العفوي غير المفسّر”، ويُعتقد أن أسبابًا جينية أو بيئية دقيقة جدًا قد تكون وراء ذلك.

الجدول التالي يوضح العلاقة بين أسباب غياب نبض الجنين والفترة الزمنية المحتملة لحدوثها:

الإجراءات الطبية عند غياب نبض الجنين

عند عدم رصد النبض في الفحص الأول، لا يُتخذ قرار نهائي قبل التأكد من عمر الحمل بدقة، وإعادة التصوير بعد أيام. إذا استمر غياب النبض، يُلجأ إلى:

• تحليل مستوى هرمون الحمل ومقارنته بمستوياته السابقة.

• تقييم وضع الكيس الحملي والمشيمة.

• إجراء فحص دم شامل للكشف عن الأسباب المحتملة.

وفي حال تأكد الوفاة الجنينية داخل الرحم، يُجري الطبيب إجراءات إجهاض طبي أو جراحي حسب عمر الحمل، مع دعم نفسي وصحي شامل للأم.

الوقاية والمتابعة

رغم أن بعض الأسباب خارجة عن سيطرة الأم، إلا أن هناك سلوكيات صحية تساهم في تقليل فرص فقدان الجنين، وتشمل:

• المتابعة الطبية المنتظمة خلال الحمل.

• تجنب الأدوية دون وصفة.

• الامتناع عن التدخين والكحول.

• التغذية السليمة.

• علاج أي عدوى بشكل سريع.

• السيطرة على الأمراض المزمنة.

خاتمة

إن غياب نبض الجنين قد يكون نتيجة لعدة أسباب، بعضها عضوي وبعضها الآخر متعلق بنمط الحياة أو التوقيت. يتطلب هذا الوضع تقييمًا دقيقًا يشمل الفحوصات السريرية والمخبرية وا