ماذا يحدث عند ثوران البركان؟

ماذا يحدث عندما يثور البركان؟

تعد الثورات البركانية من أبرز الظواهر الطبيعية التي أثارت اهتمام العلماء والناس على مر العصور. إن الثوران البركاني ليس مجرد حدث مدهش بصريًا، بل هو عملية جيولوجية معقدة تؤثر على البيئة المحلية والعالمية. لكي نفهم ما يحدث عند ثوران البركان، يجب أن ننظر إلى هذه الظاهرة من منظور علمي دقيق يشتمل على العمليات الداخلية والخارجية التي تسبق الثوران والتفاعلات التي تحدث أثناءه.

1. كيف تبدأ العمليات البركانية؟

البركان هو فتحة في القشرة الأرضية تنبثق منها الصهارة (الماغما) والغازات من داخل الأرض. تلك العمليات تبدأ من أعماق الأرض، حيث تتجمع المواد المنصهرة بفعل الحرارة الناتجة عن النشاط الإشعاعي داخل باطن الأرض. تتسرب هذه المواد عبر الشقوق في القشرة الأرضية حتى تصل إلى السطح.

تتكون الماغما بشكل رئيسي من معادن منصهرة، غازات مذابة، ومياه. وعندما تبدأ هذه الماغما في الصعود نحو سطح الأرض، تواجه العديد من التحديات، بما في ذلك الضغط الهائل المحيط بها. ففي بعض الأحيان، يسبب هذا الضغط تراكمًا غير طبيعي للمواد المنصهرة في حجرة الماغما تحت سطح الأرض، مما يؤدي إلى تراكم الطاقة التي تتسرب في النهاية بشكل مفاجئ، وهو ما يعرف بالثوران البركاني.

2. ما الذي يحدث عند الثوران البركاني؟

عندما يثور البركان، تحدث سلسلة من التفاعلات الجيولوجية التي تشمل إطلاق الماغما والغازات من فوهة البركان. يمكن تلخيص هذه التفاعلات في عدة مراحل:

2.1 إطلاق الماغما

تبدأ عملية الثوران بإطلاق الماغما المنصهرة عبر فوهة البركان. قد تتدفق الماغما بشكل بطيء في حالة الثورات غير العنيفة، أو قد تنفجر بشكل مفاجئ وقوي في حالة الثورات العنيفة. يتشكل البركان في أغلب الأحيان من التراكم التدريجي للماغما المتدفقة إلى السطح وتصلبها.

2.2 انفجار الغازات

إلى جانب الماغما، يُطلق البركان كميات هائلة من الغازات المذابة مثل ثاني أكسيد الكبريت والبخار وغازات أخرى. تعتبر الغازات من العوامل الرئيسية التي تساهم في شدة الانفجار البركاني، حيث أن زيادة الضغط داخل حجرة الماغما تؤدي إلى انفجار هائل، يطلق الغازات والمواد البركانية الأخرى بشكل مفاجئ. هذه الغازات لا تؤثر فقط على البيئة المحلية، بل تسهم أيضًا في التأثيرات العالمية من خلال تغيرات مناخية قد تحدث بعد الثوران.

2.3 إطلاق الرماد البركاني والحمم

الرماد البركاني هو أحد المنتجات الرئيسية للثوران البركاني. يتكون من قطع صخرية صغيرة جدًا تطلقها البراكين أثناء الثوران. يمكن أن يصل الرماد إلى ارتفاعات عالية جدًا ويغطي مساحات واسعة، مما يسبب مشاكل بيئية وصحية. أما الحمم البركانية فهي عبارة عن ماغما متصلبة تخرج من فوهة البركان وتشكل مجاري لافا على الأرض.

2.4 تدفقات الحمم

تعتبر تدفقات الحمم من أكثر مظاهر الثوران البركاني دمارًا. تتساقط الحمم على الأرض بشكل متواصل، مدمرة كل ما يعترض طريقها من منازل، نباتات، وحيوانات. تمتاز الحمم البركانية بقدرتها على تدمير البيئات المحيطة، وقد تستمر في تدفقها لعدة أيام أو حتى أسابيع، حتى تبرد وتتصلب.

2.5 الزلازل والهزات الأرضية

كثيرًا ما يصاحب الثورات البركانية زلازل صغيرة أو هزات أرضية نتيجة الحركة السريعة للمواد المنصهرة تحت الأرض. هذه الهزات لا تقتصر على المناطق القريبة من البركان فحسب، بل يمكن أن تُسجل في مناطق أبعد اعتمادًا على شدة الثوران.

3. تأثيرات الثوران البركاني على البيئة والمجتمعات

3.1 التأثيرات المحلية

في المناطق القريبة من البركان، قد تؤدي الثورات البركانية إلى تدمير واسع النطاق. تتسبب تدفقات الحمم، الرماد، والغبار في تدمير الأراضي الزراعية، تلوث المياه، وتدمير الحياة البرية. كما أن الرماد البركاني يمكن أن يؤثر على الطقس المحلي، مما يؤدي إلى درجات حرارة أقل وأمطار حامضية.

3.2 التأثيرات على المناخ العالمي

على الرغم من أن الثورات البركانية تؤثر عادةً على البيئة المحلية أولاً، فإن تأثيراتها يمكن أن تمتد إلى نطاقات أوسع. عندما يُطلق البركان كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكبريت إلى الجو، يمكن أن يحدث تأثير برودة مؤقت في المناخ. حيث يتفاعل هذا الغاز مع بخار الماء في الجو لتكوين أحماض الكبريتيك، التي تشكل جسيمات صغيرة يمكن أن تعكس أشعة الشمس وتخفض درجة حرارة الأرض.

3.3 تأثيرات صحية على الإنسان والحيوان

تسبب الغازات البركانية، خاصة ثاني أكسيد الكبريت، تلوث الهواء وتعرض الإنسان والحيوان لمشاكل صحية خطيرة. قد يؤدي استنشاق الرماد إلى مشاكل في التنفس وتهيج العينين. في بعض الحالات، قد تكون هذه الغازات قاتلة إذا كانت الجرعات كبيرة جدًا.

4. كيف يمكن التنبؤ بالثوران البركاني؟

على الرغم من أن التنبؤ بالثوران البركاني يعد من التحديات الكبيرة في العلوم الجيولوجية، إلا أن هناك بعض الأدوات التي تساعد العلماء في مراقبة النشاط البركاني. من بين هذه الأدوات:

• قياس الزلازل: تساعد الزلازل الصغيرة التي تحدث قبل وأثناء الثوران في تحديد حركة الماغما تحت الأرض.

• مراقبة انبعاث الغازات: من خلال قياس أنواع وكميات الغازات المنبعثة من البركان، يمكن التنبؤ بوجود نشاط بركاني محتمل.

• التصوير بالأقمار الصناعية: يستخدم العلماء صور الأقمار الصناعية لرصد التغيرات في سطح الأرض وحجم الانبعاثات البركانية.

5. أنواع البراكين وأشكال ثوراتها

تختلف أنواع البراكين تبعًا لشكلها وحجم النشاط البركاني:

• البراكين الدرعية: هي براكين ذات فوهات واسعة وشديدة الانحدار، وتنتج غالبًا تدفقات لافا هادئة، مثل بركان هاواي.

• البراكين المركبة: هي براكين ذات انحدار شديد وفوهات ضيقة، تنتج عادة ثورات عنيفة مصحوبة بانفجارات ضخمة، مثل بركان جبل فيزوف.

• البراكين المخروطية: هي براكين صغيرة نسبيًا، وتتميز بتدفقات الحمم والانفجارات المتكررة.

6. الخاتمة

تعد الثورات البركانية حدثًا طبيعيًا قاسيًا يحمل في طياته العديد من الظواهر الجيولوجية الهامة، والتي تؤثر على الأرض، المناخ، والإنسان بشكل مباشر. بينما يظل التنبؤ بالثوران البركاني تحديًا للعلماء، فإن مراقبة النشاط البركاني والملاحظة المستمرة تتيح لنا التقليل من المخاطر التي قد يسببها البركان.