تكريم الله للمرأة في الإسلام
تعتبر المرأة في الإسلام عنصرًا أساسيًا في المجتمع، وقد حظيت بتقدير بالغ وكرامة استثنائية في النصوص الدينية التي أتت في القرآن الكريم والسنة النبوية. لا شك أن الإسلام جاء ليغير الكثير من المفاهيم الاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة في الجاهلية تجاه المرأة. ففي وقت كان فيه وضع المرأة في كثير من أنحاء العالم، بما في ذلك الجزيرة العربية، يتسم بالتمييز والتهميش، جاء الإسلام ليجعلها شريكًا كاملًا في الحياة الإنسانية، يتمتع بحقوق متساوية مع الرجل، وفي بعض الأحيان يفضلها ويعطيها ميزات خاصة. في هذا المقال، سيتم استعراض تكريم الله للمرأة في الإسلام من خلال عدة جوانب دينية، اجتماعية، وأخلاقية.
1. المرأة في القرآن الكريم:
القرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع في الإسلام، وقد جاء ليكرم المرأة ويضعها في مكانتها المستحقة. في الآيات القرآنية، نجد العديد من النصوص التي تبرز تكريم الله تعالى للمرأة وتمنحها حقوقًا وواجبات تساوي في بعض الأحيان تلك التي منحها للرجل. في سورة النساء على سبيل المثال، نجد آية تبيّن حقوق المرأة في الزواج والميراث:
“وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا” (النساء: 19)
تتضمن هذه الآية دعوة للتعامل مع المرأة بحسن معاملة وإحسان، حتى في الحالات التي قد يكون فيها الرجل غير راضٍ عن زوجته.
تكريمها في الخلق:
أحد أسمى مظاهر تكريم الله للمرأة في القرآن هو تأكيده على أن المرأة والرجل مخلوقان من نفس واحدة، مما يعني تساويهما في القيمة الإنسانية:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً” (النساء: 1)
هذه الآية تبين أن الخلق الإنساني ليس محصورًا في جنس واحد، بل يشمل الرجال والنساء على حد سواء.
تكريم المرأة في العبادة:
في القرآن الكريم، نجد العديد من الآيات التي تُظهر كيفية تكريم الله للمرأة في مجال العبادة. فقد جاء في سورة الطلاق:
“لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ” (الطلاق: 32)
هذه الآية تبيّن أن المرأة، كالرجل، لها نصيب في الأجر والثواب نتيجة أعمالها الصالحة.
2. تكريم المرأة في السنة النبوية:
الحديث الشريف هو المصدر الثاني للتشريع في الإسلام بعد القرآن الكريم. وقد أكد النبي محمد صلى الله عليه وسلم على مكانة المرأة وحقوقها في العديد من الأحاديث النبوية التي تبرز احترامها وتقديرها. من أبرز هذه الأحاديث:
“النساء شقائق الرجال” (أبو داود)
تُعد هذه المقولة من أشهر ما ورد في السنة النبوية، حيث يربط النبي صلى الله عليه وسلم بين المرأة والرجل، مؤكدًا على أنها جزء لا يتجزأ من المجتمع كما الرجل، ولها ذات الحقوق والواجبات.
الحديث عن الأم:
من أكبر تكريمات الإسلام للمرأة كان تأكيده على حقوق الأم، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:
“أمك ثم أمك ثم أمك، ثم أبوك” (مسلم)
هذا الحديث يبرز أن الأم تتفوق في مكانتها على الأب، إذ وضع الإسلام الأم في مقام أعلى من الأب في الكثير من المواضع، حيث يعود هذا التقدير إلى ما تبذله المرأة من جهد وتضحية في تربية الأبناء.
المرأة في الجهاد:
على الرغم من أن الجهاد في الإسلام كان واجبًا على الرجال في كثير من الحالات، إلا أن المرأة قد تم تكريمها ودعوتها للمساهمة في هذا المجال بطريقة تتناسب مع طاقتها وظروفها. في العديد من الغزوات، كانت النساء يشاركن في مساعدة المجاهدين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشجعهن على تقديم الدعم في المجالات الصحية واللوجستية.
3. حقوق المرأة في الإسلام:
يُعتبر الإسلام من أوائل الأديان التي أعطت المرأة حقوقًا واضحة وملموسة، سواء في مجال الزواج، الميراث، أو غيرها من المجالات. وقد اهتم الإسلام بتوفير بيئة تحفظ كرامتها وتحمي حقوقها في شتى مجالات الحياة.
المرأة في الزواج:
في الإسلام، يُعتبر الزواج عقدًا مبرمًا بين الرجل والمرأة بموافقة الطرفين، ويجب على الرجل احترام حقوق زوجته ورعايتها. يحق للمرأة في الإسلام أن تختار شريك حياتها، ولا يُجبر أحد على الزواج من شخص لا ترغب فيه. كما يحق لها أن تطلب الطلاق إذا كانت غير سعيدة في العلاقة، وهذا ما يُعتبر حقًا مهمًا يعكس التقدير الذي يوليه الإسلام للمرأة:
“وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّـهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِي مَا افْتَتَحَتْ” (البقرة: 229)
المرأة في الميراث:
أعطى الإسلام للمرأة حق الميراث، وهو ما كان يعتبر من الأمور الغائبة في المجتمعات الجاهلية حيث كان يُحرم النساء من الحصول على نصيبهن. جاء القرآن ليعطي المرأة حقها في الميراث، مع تحديد حصتها على أساس العدالة في توزيع الثروات:
“لِرِجَالٍ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ” (النساء: 7)
ورغم أن نصيب المرأة في الميراث قد يختلف عن الرجل في بعض الحالات، إلا أن هذه التقسيمة تقوم على أسس من العدالة التي تأخذ في الاعتبار المسؤوليات الاقتصادية المرتبطة بكل جنس.
4. المرأة والتعليم والعمل:
الإسلام لم يقتصر على تكريم المرأة في الأمور الدينية فقط، بل شمل أيضًا جوانب حياتها الاجتماعية والعملية. فقد أُعطيت المرأة حق التعليم والعمل، بما يتناسب مع قدراتها وظروفها. كانت المرأة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم تُشارك في شتى مجالات الحياة، بما في ذلك التجارة والتعليم.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يشجع النساء على طلب العلم، فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قولها:
“طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ” (ابن ماجه)
وقد عملت النساء في مجالات عديدة مثل التجارة والطب، وبرزت العديد من الصحابيات في هذه المجالات.
5. المساواة بين الرجل والمرأة في الآخرة:
على الرغم من أن الإسلام قد جعل لكل من الرجل والمرأة وظائف ومسؤوليات تتناسب مع طبيعة كل منهما، فإن حقوقهما في الآخرة متساوية تمامًا. فإن الإسلام يضمن للمرأة ما يضمنه للرجل في ما يخص الأجر والثواب بناءً على الأعمال الصالحة التي يقوم بها كل منهما:
“فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ” (آل عمران: 195)
يُظهر هذا النص أن الأجر والثواب لا يعتمد على الجنس، بل على العمل الصالح الذي يقوم به الإنسان.
6. خاتمة:
لقد جاء الإسلام ليكرم المرأة ويعطيها حقوقًا عظيمة تتجاوز الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة في الجاهلية. من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية، نجد أن الإسلام قد وضع المرأة في مكانة عالية، مشددًا على أهمية حقوقها في مجالات متعددة مثل الزواج، الميراث، التعليم، والعمل. كما أن الإسلام أكد على عدالة التوزيع في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة، وفي الوقت نفسه منحها امتيازات خاصة في بعض المجالات. ومن خلال ذلك، يظهر بجلاء كيف أن تكريم الله للمرأة في الإسلام هو تكريم لا مثيل له في التاريخ، مما يعكس عظمة الشريعة الإسلامية في مرا
