لماذا لا يقرأ العرب؟ مقارنة بين العرب والغرب
القراءة هي مفتاح المعرفة والإبداع، وهي أساس نمو المجتمعات وتطورها. ومع ذلك، يبقى السؤال الأبرز في العالم العربي هو: لماذا لا يقرأ العرب؟ ولماذا تعدّ معدلات القراءة في العالم العربي أقل بكثير مقارنة بدول الغرب؟ هذا المقال يستعرض العوامل التي تقف وراء ضعف القراءة في العالم العربي، ويقدم مقارنة بين الثقافة العربية والغربية في هذا السياق، محاولًا إلقاء الضوء على الأسباب والعوامل التي تؤثر في سلوكيات القراءة.
1. الافتقار إلى البيئة الثقافية المشجعة على القراءة
أحد العوامل الأساسية التي تساهم في ضعف القراءة في العالم العربي هو الافتقار إلى بيئة ثقافية تشجع على القراءة منذ الصغر. في العديد من الدول الغربية، يُعطى الأطفال في المدارس والبيوت قيمة كبيرة للقراءة، حيث يُعتبر الكتاب رفيقًا دائمًا في رحلة الحياة. في المقابل، في كثير من الدول العربية، لا يُولي الأهل والمدارس الاهتمام الكافي لتشجيع أطفالهم على القراءة. يقتصر التفاعل مع الكتاب في العديد من الحالات على متطلبات التعليم فقط، حيث يُنظر إلى القراءة على أنها واجب مدرسي، لا نشاط ترفيهي أو تنموي.
المقارنة مع الغرب: في الغرب، يتم تحفيز الأطفال على القراءة من خلال تقديم الكتب المناسبة لأعمارهم، وتنظيم الأنشطة التي تشجع على الإبداع والتفكير النقدي. على سبيل المثال، تقوم المدارس في دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا بتخصيص وقت في الجدول الدراسي للقراءة الحرة، كما أن المكتبات العامة في هذه البلدان تُعتبر مركزًا مهمًا للأنشطة الثقافية والتعليمة.
2. أزمة الكتاب العربي وضعف الإنتاج الأدبي
من الأسباب الأخرى التي تساهم في ضعف القراءة في العالم العربي هي أزمة الكتاب العربي ذاته. رغم أن هناك العديد من الكتاب العرب الذين حققوا شهرة عالمية، إلا أن الإنتاج الأدبي العربي يعاني من نقص في التنوع والجودة مقارنة بالإنتاج الأدبي في الغرب. بالإضافة إلى ذلك، يعاني الكتاب العرب من قلة الدعم المالي والتوزيع، مما يؤدي إلى صعوبة وصول الكتب إلى القارئ العربي.
المقارنة مع الغرب: في الغرب، يتمتع الكتاب بدعم حكومي وجمعيات ثقافية، كما أن هناك بنية تحتية متكاملة لدور النشر والتوزيع التي تساعد على وصول الكتب إلى أوسع شريحة من الجمهور. إضافة إلى ذلك، هناك تنوع واسع في أنواع الكتب، من الأدب والفكر إلى الكتب العلمية والعملية، مما يجعل الكتاب جزءًا لا يتجزأ من الثقافة اليومية للناس.
3. التحديات الاقتصادية والاجتماعية
أحد التحديات الكبيرة التي يواجهها القارئ العربي هو الظروف الاقتصادية الصعبة التي تجعل الكتب باهظة الثمن بالنسبة للكثيرين. في كثير من الحالات، تصبح الكتب رفاهية غير متاحة للأسر ذات الدخل المحدود، مما يحد من فرص الوصول إلى المعرفة. بالإضافة إلى ذلك، تعاني بعض المناطق العربية من انعدام الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ما يجعل القراءة غير أولوية في حياة الناس.
المقارنة مع الغرب: في الدول الغربية، توفر المكتبات العامة للقراء فرصًا مجانية للوصول إلى الكتب. كما أن أسعار الكتب غالبًا ما تكون مدعومة من قبل الحكومة أو الجهات الثقافية، مما يسهل على جميع شرائح المجتمع الوصول إليها. هذه السياسات تساهم في تعزيز القراءة كنشاط يومي في حياة الأفراد.
4. التكنولوجيا والإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي
في العصر الحديث، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا عائقًا آخر أمام القراءة في العالم العربي. تعدّ الهواتف الذكية والمنصات الاجتماعية مثل “فيسبوك”، “إنستغرام”، و”تيك توك” من أبرز العوامل التي تشغل وقت الشباب، مما يقلل من الوقت المخصص للقراءة. ويؤدي هذا إلى تراجع الاهتمام بالكتب على حساب المحتوى السريع والمباشر الذي تقدمه هذه المنصات.
المقارنة مع الغرب: في الغرب، رغم أن هناك أيضًا تأثيرًا ملحوظًا للتكنولوجيا، إلا أن هناك مزيدًا من التوازن في كيفية استخدام هذه الأدوات. يتم تشجيع الشباب في بعض المجتمعات الغربية على استغلال التقنية لتعزيز ثقافتهم، مثل استخدام تطبيقات القراءة الرقمية أو الاستماع إلى الكتب الصوتية. كما توجد منصات لبيع الكتب الرقمية بأسعار معقولة، مما يسهم في زيادة الوصول إلى المحتوى الثقافي.
5. ضعف المناهج التعليمية في العالم العربي
تُعتبر المناهج التعليمية في العالم العربي أحد العوامل التي تحدّ من تطوير عادات القراءة. فالتعليم في معظم الدول العربية يركز على الحفظ والتلقين أكثر من التركيز على الفهم النقدي والتحليل. كما أن المواد الدراسية غالبًا ما تكون مشبعة بالمعلومات التي تقتصر على المقررات الرسمية، مما يؤدي إلى نقص في التشجيع على البحث واكتشاف المعرفة بأنفسهم.
المقارنة مع الغرب: على العكس من ذلك، يعتمد النظام التعليمي في العديد من الدول الغربية على التفكير النقدي وتنمية مهارات البحث. يتم تشجيع الطلاب على قراءة كتب غير دراسية واكتشاف مجالات متنوعة من المعرفة. كما أن البحث والاطلاع على مصادر مختلفة جزء أساسي من العملية التعليمية في هذه الدول.
6. التركيز على الإعلام والتسلية على حساب القراءة
تستحوذ وسائل الإعلام على معظم وقت الفراغ في العالم العربي. حيث يتمتع التلفزيون والإنترنت بمشاهدة جماهيرية واسعة، ويُنظر إلى الإعلام الترفيهي على أنه الخيار المفضل. وعلى الرغم من أن هناك بعض البرامج الثقافية في بعض القنوات، إلا أن هذه البرامج لا تستقطب الجمهور بشكل واسع، بل تظل محصورة في شرائح محدودة.
المقارنة مع الغرب: في المجتمعات الغربية، تعدّ القراءة جزءًا من أسلوب الحياة اليومية، ليس فقط على مستوى الأفراد، بل على مستوى المجتمعات. هناك العديد من الفعاليات الثقافية، مثل المعارض الأدبية والمهرجانات الثقافية، التي تروج للقراءة وتشجع على التفاعل مع الكتب. كما أن وسائل الإعلام الغربية تقدم برامج ثقافية وتوثيقية تشجع على القراءة والتعلم.
7. النظرة الاجتماعية للقراءة
أحد العوامل التي تساهم في تراجع القراءة في العالم العربي هو النظرة الاجتماعية للقراءة. في العديد من الأحيان، يُعتبر قراءة الكتب نشاطًا محدودًا لمجموعة معينة من المثقفين أو النخب، بينما يُنظر إلى الأنشطة الترفيهية الأخرى مثل مشاهدة التلفزيون أو استخدام الإنترنت كأنشطة أكثر شيوعًا.
المقارنة مع الغرب: في المجتمعات الغربية، يُنظر إلى القراءة على أنها نشاط يعزز من مستوى الذكاء الشخصي ويُعتبر جزءًا من الثقافة العامة. تُعتبر القراءة هواية شائعة بين جميع الفئات العمرية والاجتماعية، وهناك تقاليد متجذرة في هذه المجتمعات تشجع على تبادل الكتب والمشاركة في المناقشات الأدبية.
الخاتمة
إذن، يمكن القول أن الأسباب التي تجعل العرب لا يقرأون متعددة ومعقدة. من ضعف البيئة الثقافية، إلى التحديات الاقتصادية، وصولًا إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي. في المقابل، توجد العديد من العوامل في الغرب التي تساهم في تعزيز القراءة كنشاط ثقافي يومي. إن تحسين حالة القراءة في العالم العربي يتطلب تغييرًا جذريًا في السياسات التعليمية، دعم صناعة الكتاب، وتوفير بيئة ثقافية تشجع على القراءة والاطلاع، جنبًا إلى جنب مع تعزيز الوعي بأهمية القراءة في حياة الأفراد والمجتمعات.
