سبب تكوّن براكين هاواي

سبب تكوّن براكين جزر هاواي

تُعد جزر هاواي من أشهر الوجهات السياحية في العالم، لما تتمتع به من مناظر طبيعية خلابة، شواطئ ساحرة، ومناخ معتدل. ولكن، ما يميز هذه الجزر أكثر هو النشاط البركاني الكبير الذي يحدث فيها بشكل مستمر، مما يجعلها أحد أبرز الأمثلة على الأنشطة البركانية على سطح الأرض. تكوّن براكين جزر هاواي ليس مجرد حادث جغرافي، بل هو نتيجة لعمليات جيولوجية معقدة تتعلق بحركة الصفائح التكتونية والظروف التي تحدث تحت سطح الأرض.

في هذا المقال، سنتناول الأسباب التي تؤدي إلى تكوّن البراكين في جزر هاواي، مع شرح تفصيلي حول كيفية حدوث هذه الظاهرة الجيولوجية، ونتائجها على البيئة الطبيعية والبشرية.

التكتونية: أساس تكوّن براكين هاواي

قبل أن نغوص في تفاصيل تكوّن البراكين في جزر هاواي، من الضروري أن نفهم أساسيات علم التكتونية، الذي يشرح كيفية حدوث الزلازل والبراكين. الأرض ليست كتلة صلبة واحدة، بل هي مكونة من طبقات متعددة، أهمها الطبقة الخارجية التي تعرف بالقشرة الأرضية. هذه القشرة ليست ثابتة، بل هي عبارة عن صفائح ضخمة تتحرك بشكل بطيء جدًا عبر سطح الأرض.

حركة هذه الصفائح هي التي تؤدي إلى تكوّن الجبال والزلازل والبراكين. في حالة جزر هاواي، يوجد نوع خاص من الأنظمة البركانية التي تتشكل في منطقة تُسمى “البقعة الساخنة” أو “النقطة الساخنة” (Hotspot).

البقعة الساخنة في هاواي

البقعة الساخنة هي منطقة ثابتة في الوشاح الأرضي حيث يندفع الصهير (الحمم البركانية السائلة) من أعماق الأرض نحو السطح، وتستمر في الدفع نحو الأعلى على مدى فترات زمنية طويلة. بالنسبة لجزر هاواي، يقع البقعة الساخنة تحت جزء من المحيط الهادئ، وهو الذي يوفر الصهير الذي يؤدي إلى تكوّن البراكين.

إن البقعة الساخنة في هاواي تتواجد أسفل قشرة المحيط الهادئ التي تتحرك فوقها. عندما يتحرك هذا المحيط فوق البقعة الساخنة، يصعد الصهير من داخل الأرض عبر شقوق في القشرة، ليشكل براكين جديدة. بسبب حركة المحيط الهادئ باتجاه الشمال الغربي، تكون هذه البراكين قديمة في الجهة الجنوبية من الأرخبيل، بينما تكون جديدة بالقرب من جزيرة هاواي نفسها، المعروفة بـ “الجزيرة الكبيرة”.

كيفية تكوّن البراكين في هاواي

تتكون البراكين في جزر هاواي نتيجة لتدفق الحمم البركانية من البقعة الساخنة نحو السطح. يبدأ تكوّن البركان عند انتقال الصهير من أعماق الأرض عبر الوشاح نحو القشرة الأرضية. عندما يصل الصهير إلى السطح، يندفع إلى الخارج مكونًا البركان. هذا النشاط البركاني مستمر ولا يتوقف، مما يجعل جزر هاواي مركزًا نشطًا للغاية من الناحية الجيولوجية.

يتسبب هذا التدفق المستمر للحمم في تشكيل البراكين، التي تبدأ بشكل تدريجي وتستمر في النمو على مر الأزمان. واحدة من أبرز خصائص براكين هاواي هي أنها براكين “درعية” (Shield Volcanoes)، وهو نوع من البراكين الذي يتميز بقاعدته الواسعة والانحدار البسيط. تعتبر الحمم البركانية في براكين هاواي سائلة جدًا مقارنةً بالبراكين الأخرى، مما يتيح لها الانتشار على مساحات واسعة من الأرض. هذا النوع من البراكين يميز جزر هاواي من غيرها من البراكين في مختلف أنحاء العالم.

الآلية الجيولوجية وراء النشاط البركاني في هاواي

تعود الحمم البركانية التي تُطلق من براكين هاواي إلى مصدرها العميق في الوشاح الأرضي. يُعتقد أن الوشاح الأرضي هو مصدر الحرارة الذي يسبب الذوبان المستمر للمواد الصخرية تحت سطح الأرض. هذه الحرارة المرتفعة تؤدي إلى انصهار الصخور، مما يشكل الصهير الذي يرتفع إلى سطح الأرض.

عندما يتجمع هذا الصهير بالقرب من سطح الأرض أو على السطح، يتراكم ليشكل فوهة بركانية جديدة، ومع مرور الوقت تتكون قمة البركان. تستمر عملية التصعيد على مر العصور، ومع كل ثوران، يتم إضافة طبقة جديدة من الصخور المنصهرة إلى البركان، مما يؤدي إلى نموه وزيادة حجمه بشكل تدريجي.

أحد أهم العوامل التي تميز جزر هاواي هو أن الحمم البركانية تنساب بشكل بطيء إلى المحيط، مما يسمح بتشكيل لاند سكيب جديد يزداد اتساعًا، ويؤدي إلى توسيع مساحة الجزر. هذه الظاهرة يمكن ملاحظتها بشكل واضح في جزيرة هاواي، حيث لا يزال هناك العديد من البراكين النشطة، مثل بركان كيلوا وبركان مونا لوا.

دور الصفائح التكتونية في تحريك البقعة الساخنة

الصفائح التكتونية هي قطع ضخمة من قشرة الأرض تتحرك فوق طبقة الوشاح الأرضي. الصفائح التي تهيمن على منطقة هاواي هي صفيحة المحيط الهادئ، وهي واحدة من أكبر الصفائح التكتونية في العالم. تتجه هذه الصفيحة باستمرار إلى الشمال الغربي بمعدل يصل إلى 7.5 سم سنويًا.

عندما تتحرك صفيحة المحيط الهادئ فوق البقعة الساخنة، تحدث تغييرات في قشرة الأرض فوقها. حيث تندفع الحمم البركانية من الأسفل بشكل مستمر إلى السطح، وتشكل براكين جديدة في المواقع التي تمر فوق البقعة الساخنة. هذا يفسر سبب وجود براكين جديدة على جزيرة هاواي الكبيرة، بينما براكين الجزر الأخرى أصغر وأقل نشاطًا.

أثر النشاط البركاني على البيئة المحيطة

النشاط البركاني في هاواي له تأثيرات بيئية كبيرة على الجزر والمحيط. من أبرز هذه التأثيرات هو التغير المستمر في التضاريس. البراكين المندلعة تنتج كميات ضخمة من الحمم التي تؤدي إلى تشكيل أراضٍ جديدة. عند تدفق الحمم إلى البحر، يمكن أن تتشكل جزر صغيرة جديدة على طول سواحل الجزر الرئيسية.

أيضًا، النشاط البركاني يسهم في تكوين تربة خصبة للغاية. تُعتبر الرماد البركاني الذي ينقله الرياح من البراكين مصدرًا غنيًا للمعادن التي تعزز من خصوبة التربة، مما يجعل جزر هاواي مثالية للزراعة. هذا يسهم في تطوير الغطاء النباتي ويعزز التنوع البيولوجي في المنطقة.

الخاتمة

براكين جزر هاواي هي نتيجة لعملية جيولوجية معقدة تشمل تحركات الصفائح التكتونية والبقعة الساخنة. هذه الظاهرة تساهم في تكوين جزر جديدة بشكل مستمر، مما يجعل هاواي واحدة من أكثر الأماكن نشاطًا بركانيًا في العالم. على الرغم من التأثيرات السلبية التي قد تنجم عن الثورات البركانية، إلا أن هذه العمليات تسهم أيضًا في خلق بيئات غنية ومتنوعة من الناحية البيئية.