أسباب ثؤلول المهبل: دراسة شاملة

يُعد الثؤلول المهبلي أحد المظاهر الجلدية الناتجة عن عدوى فيروسية تُصيب الجلد أو الأغشية المخاطية في المنطقة التناسلية للأنثى. يشكل هذا النوع من الثآليل مصدر قلق طبي ونفسي كبير للعديد من النساء، نظرًا لطبيعته المعدية وموقعه الحساس وتأثيره على الحياة الجنسية والصحة الإنجابية. في هذا المقال، نقدم دراسة موسعة وشاملة حول أسباب الثؤلول المهبلي، مستندين إلى أحدث ما توصلت إليه الأبحاث الطبية والأدلة العلمية الموثوقة، مع توضيح للآليات المرضية، والعوامل المؤهبة، وتفاصيل العدوى الفيروسية المسببة له.

ما هو الثؤلول المهبلي؟

الثؤلول المهبلي هو نمو جلدي غير طبيعي يظهر عادة في المنطقة التناسلية الخارجية، بما في ذلك المهبل، الشفرين الكبيرين والصغيرين، عنق الرحم، والمناطق المحيطة بالإحليل والشرج. تتفاوت هذه الثآليل في الحجم والشكل، وقد تكون بارزة أو مسطحة، منفردة أو متعددة، وغالبًا ما تكون غير مؤلمة لكنها قد تسبب الحكة أو الانزعاج أو النزف أثناء الجماع.

السبب الرئيسي: فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)

السبب الرئيسي والأكثر شيوعًا لثآليل المهبل هو العدوى بفيروس الورم الحليمي البشري (Human Papillomavirus)، وتحديدًا الأنواع 6 و11 من هذا الفيروس، التي ترتبط بشكل وثيق بظهور الثآليل التناسلية.

عن فيروس الورم الحليمي البشري:

• الطبيعة الفيروسية: ينتمي HPV إلى مجموعة الفيروسات الدناوية (DNA viruses) ويصيب الخلايا الظهارية.

• الأنواع المسببة: يوجد أكثر من 200 نوع معروف من هذا الفيروس، يُصنَّف منها نحو 40 نوعًا كمؤثرات على الجهاز التناسلي.

• الأنواع منخفضة الخطورة: تشمل الأنواع 6 و11، وهي مسؤولة عن حوالي 90% من حالات الثآليل التناسلية.

• الأنواع عالية الخطورة: تشمل الأنواع 16 و18 وغيرها، وترتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم، لكنها نادرًا ما تسبب الثآليل.

طرق انتقال العدوى

ينتقل فيروس HPV المسؤول عن الثؤلول المهبلي بشكل أساسي عبر الاتصال الجنسي، لكن هناك وسائل انتقال أخرى ينبغي الإلمام بها لتقديم رؤية شاملة:

1. الاتصال الجنسي المباشر:

• الجماع المهبلي أو الشرجي مع شخص مصاب.

• الجنس الفموي إذا تضمن تلامسًا مع الأعضاء التناسلية.

• لمس الأعضاء التناسلية المصابة باليد.

2. الانتقال غير المباشر:

• مشاركة الأدوات الشخصية الملوثة مثل المنشفة أو الملابس الداخلية.

• استخدام أدوات طبية أو تجميلية غير معقمة في المناطق الحساسة (مثل أدوات إزالة الشعر أو الفحص المهبلي).

• انتقال العدوى من الأم إلى المولود أثناء الولادة المهبلية.

العوامل المؤهبة للإصابة بالثؤلول المهبلي

بالرغم من أن العدوى بفيروس HPV تُعد العامل الأساسي، إلا أن هناك عدة عوامل تسهم في زيادة خطر الإصابة وتطور الثآليل:

1. النشاط الجنسي المبكر والمتعدد

• ممارسة الجنس في سن مبكرة يزيد من فرص التعرض للفيروس.

• تعدد الشركاء الجنسيين يُضاعف احتمالية الالتقاط من شخص حامل للفيروس.

2. ضعف الجهاز المناعي

• النساء المصابات بأمراض مناعية مثل فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) أكثر عرضة للإصابة.

• استخدام أدوية مثبطة للمناعة مثل الكورتيكوستيرويدات أو العلاج الكيميائي يعزز من احتمالية نشوء الثآليل.

3. التهابات مهبلية مزمنة

• الالتهابات المتكررة في المهبل قد تُضعف مناعة الأغشية المخاطية وتسهّل تسلل الفيروس.

• العدوى البكتيرية أو الفطرية المستمرة تُعد من العوامل المساعدة.

4. التدخين

• يُقلل التدخين من كفاءة الجهاز المناعي المحلي في المهبل وعنق الرحم، ما يسمح بنمو الفيروس وتكاثره.

• النيكوتين يؤثر على وظائف الخلايا الظهارية ويزيد من خطر تحوّلها لخلايا غير طبيعية.

5. الحمل

• التغيرات الهرمونية خلال الحمل تؤثر على مناعة الجسم وتزيد من فرص ظهور الثآليل أو تفاقمها.

• قد تنمو الثآليل بشكل سريع أثناء الحمل بسبب زيادة تدفق الدم في المنطقة التناسلية.

آلية تطور الثؤلول بعد الإصابة بالفيروس

بعد انتقال فيروس HPV إلى الجسم، يبدأ بالتكاثر في الخلايا الظهارية للجلد أو الأغشية المخاطية. تمر العدوى بمراحل متعددة قبل ظهور الثآليل:

مرحلة الكمون:

• قد يبقى الفيروس في حالة خاملة داخل الجسم لأشهر أو حتى سنوات دون ظهور أي أعراض.

• في بعض الحالات، يتخلص الجهاز المناعي من الفيروس دون ظهور ثآليل.

مرحلة التكاثر:

• في حالة ضعف المناعة أو وجود عوامل محفزة، يبدأ الفيروس بالتكاثر وينتج عنه نمو جلدي غير طبيعي، أي الثؤلول.

• يتمثل الثؤلول بفرط التقرن وتكاثر خلايا الجلد المصابة.

الجدول التالي يوضح الفرق بين أنواع فيروس HPV الشائعة وتأثيرها السريري:

عوامل بيئية وسلوكية إضافية

لا تقتصر أسباب الإصابة بالثآليل المهبلية على الجوانب الفيروسية فقط، بل هناك عوامل بيئية وسلوكية تساهم أيضًا في التعرض للفيروس وتفاقم الإصابة:

1. نقص التوعية الجنسية

• عدم الإلمام بطرق الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًا يؤدي إلى ممارسة سلوكيات محفوفة بالمخاطر.

• غياب الثقافة الصحية عن أهمية استخدام الواقي الذكري في العلاقات الجنسية.

2. استخدام الدش المهبلي المفرط

• الاستعمال المفرط للدش المهبلي يخل بتوازن البكتيريا النافعة في المهبل، مما يضعف الحماية المناعية.

• قد يؤدي أيضًا إلى دفع الفيروس عميقًا في عنق الرحم.

3. ارتداء ملابس داخلية غير قطنية

• الأقمشة الصناعية تزيد من التعرق وتهيّج المنطقة الحساسة، ما قد يسهل تكاثر الفيروسات والبكتيريا.

4. عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية

• إهمال النظافة في المناطق التناسلية يزيد من خطر التهابات تسهّل دخول فيروس HPV.

• استخدام صابون غير ملائم أو مهيّج للمنطقة الحساسة.

أهمية التطعيم في الوقاية من الفيروس

يعد لقاح فيروس الورم الحليمي البشري من أهم الأدوات الوقائية الفعالة ضد الثآليل المهبلية والمضاعفات الأخرى ذات الصلة، مثل السرطان العنقي.

• لقاح جارداسيل (Gardasil): يحمي من الأنواع 6 و11 و16 و18.

• لقاح سيرفاريكس (Cervarix): يقي من الأنواع 16 و18 (الأنواع المسببة للسرطان بشكل أساسي).

توفر هذه اللقاحات حماية طويلة الأمد عند إعطائها للفتيات في سن مبكرة (بين 9-14 سنة) وقبل بدء النشاط الجنسي. كما يُوصى بها للنساء حتى سن 26، وأحيانًا حتى 45 عامًا بناءً على تقييم الطبيب.

مضاعفات محتملة في حالة إهمال العلاج

• توسع الثآليل: قد تصبح الثآليل أكبر أو أكثر عددًا مع الوقت.

• عدوى ثانوية: خدش الثآليل أو تهيجها قد يؤدي إلى عدوى بكتيرية.

• التأثير على الحمل والولادة: في بعض الحالات، قد تُعيق الثآليل الكبيرة الولادة الطبيعية.

• النقل إلى الشريك الجنسي: حتى في غياب الأعراض، يبقى الفيروس معديًا.

• تأثير نفسي: قد يشعر البعض بالقلق أو الخجل أو انخفاض الثقة بالنفس.

المراجع:

1. World Health Organization (WHO). “Human papillomavirus (HPV) and cervical cancer”. https://www.who.int.

2. Centers for Disease Control and Prevention (CDC). “Genital HPV Infection – Fact Sheet”. https://www.cdc.gov.