أسباب تورم القدمين وعلاجها

أسباب انتفاخ القدمين: دليل شامل لفهم الحالات الصحية المرتبطة بتورم القدمين

يُعد انتفاخ القدمين حالة شائعة تصيب الكثير من الأشخاص في مختلف المراحل العمرية، وتتنوع أسبابها بين ما هو بسيط وعابر، وبين ما هو خطير ويستدعي تدخلاً طبياً فورياً. من الناحية الطبية، يشير انتفاخ القدمين إلى تراكم غير طبيعي للسوائل في الأنسجة تحت الجلد في منطقة الكاحلين والقدمين، وهي الحالة التي تُعرف بـ”الوذمة الطرفية” (Peripheral Edema). ينتج هذا التراكم عن خلل في الدورة الدموية أو الكلى أو الغدد أو حتى نتيجة لعوامل حياتية ونمط المعيشة.

في هذا المقال، يتم التطرق بشكل علمي مفصل وشامل إلى أبرز الأسباب التي قد تؤدي إلى انتفاخ القدمين، مع توضيح الآليات المرضية، والعوامل المرتبطة بها، والأمراض الشائعة، وتأثير العادات اليومية والتغذية على هذا العرض الصحي، مدعومًا بأحدث الأبحاث الطبية.

أولاً: الأسباب الشائعة والبسيطة لانتفاخ القدمين

1. الوقوف أو الجلوس لفترات طويلة

الجلوس أو الوقوف المفرط دون تحريك الأطراف السفلية يؤدي إلى ركود الدم في الأوردة الطرفية، مما يرفع من ضغط الدم الوريدي في الأطراف السفلية، ويساهم في تسرب السوائل من الأوعية إلى الأنسجة. العامل الجاذبي في الجسم يجعل السوائل تتراكم بشكل خاص في الكاحلين والقدمين.

2. الحمل

خلال فترة الحمل، يحدث توسع في الأوعية الدموية نتيجة التغيرات الهرمونية وزيادة حجم الدم في الجسم، ما يؤدي إلى تراكم السوائل في الأطراف. كما أن الرحم المتضخم قد يضغط على الأوردة الكبرى في البطن، مما يعيق عودة الدم إلى القلب.

3. تناول كميات كبيرة من الصوديوم

الملح الزائد في الطعام يؤدي إلى احتباس السوائل داخل الجسم، ويؤثر بشكل مباشر على الضغط الأسموزي، ما يؤدي إلى تراكم السوائل في الأنسجة.

4. الجو الحار

في درجات الحرارة المرتفعة، تتوسع الأوعية الدموية لتسهيل تبريد الجسم، مما قد يساهم في تسرب السوائل إلى الأنسجة، لا سيما في الأطراف.

ثانيًا: الأسباب الطبية والمرتبطة بالأمراض المزمنة

1. القصور الوريدي المزمن (Chronic Venous Insufficiency)

يحدث هذا القصور عندما تفشل صمامات الأوردة في الأطراف السفلية في منع ارتداد الدم، ما يؤدي إلى تراكم الدم في الأوردة، وارتفاع الضغط الوريدي، وبالتالي تسرب السوائل إلى الأنسجة. هذه الحالة شائعة لدى كبار السن، وأصحاب الأعمال التي تتطلب الوقوف لفترات طويلة.

2. قصور القلب الاحتقاني (Congestive Heart Failure)

في هذه الحالة، لا يستطيع القلب ضخ الدم بكفاءة، ما يؤدي إلى تراكم السوائل في الأطراف والرئتين والبطن. انتفاخ القدمين يكون عرضًا أوليًا مهمًا في تقييم حالة فشل القلب، خاصةً عندما يترافق مع ضيق في التنفس.

3. أمراض الكلى

الفشل الكلوي المزمن أو الحاد يُسبب احتباس الصوديوم والماء في الجسم، ما يؤدي إلى تورم القدمين، وقد يشمل التورم مناطق أخرى مثل الجفون واليدين.

4. أمراض الكبد

في حالات تشمع الكبد (Cirrhosis)، ينخفض إنتاج بروتين الألبومين، الذي يلعب دورًا هامًا في الحفاظ على الضغط الأسموزي في الأوعية الدموية. نقص الألبومين يؤدي إلى تسرب السوائل إلى الأنسجة، مما يسبب وذمة في القدمين والبطن.

5. التهابات المفاصل أو النقرس

بعض الحالات الالتهابية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أو النقرس تسبب تورمًا موضعيًا في القدم أو الكاحل، يكون مصحوبًا بألم واحمرار.

6. الالتهابات والعدوى الموضعية

التهاب النسيج الخلوي (Cellulitis) هو التهاب بكتيري يصيب الجلد والأنسجة تحت الجلد، يؤدي إلى احمرار وتورم مؤلم في القدم، وغالبًا ما يُصاحبه ارتفاع في درجة الحرارة.

ثالثًا: العوامل المرتبطة بالأدوية

بعض الأدوية قد تؤدي إلى احتباس السوائل وتورم القدمين كأثر جانبي، منها:

رابعًا: العوامل المرتبطة بالنمط الحياتي والبيئة

1. السمنة المفرطة

الوزن الزائد يضع ضغطًا إضافيًا على الأوردة الطرفية، ويؤثر سلبًا على الدورة الدموية الراجعة، مما يزيد من خطر حدوث التورم في القدمين.

2. قلة الحركة والخمول

عدم ممارسة الرياضة أو الحركة بانتظام يؤدي إلى ضعف في الدورة الدموية الطرفية، مما يعزز تراكم السوائل.

3. ارتداء أحذية غير مناسبة

الأحذية الضيقة أو غير الطبية قد تعيق حركة الدورة الدموية، مما يؤدي إلى احتباس السوائل، خاصةً في منطقة الأصابع والكاحلين.

4. الرحلات الطويلة

الجلوس في الطائرة أو السيارة لفترات طويلة يؤدي إلى قلة حركة القدمين، ما يسبب ركود الدم وبالتالي انتفاخًا مؤقتًا.

خامسًا: اضطرابات الجهاز اللمفاوي (Lymphedema)

يحدث عندما يُصاب الجهاز اللمفاوي بعطب أو انسداد، مما يمنع التصريف الطبيعي للسوائل اللمفاوية، فتتراكم في الأنسجة محدثة تورمًا مزمنًا. هذه الحالة قد تكون خلقية أو مكتسبة نتيجة جراحة، عدوى طفيلية (مثل داء الفيل)، أو إزالة الغدد اللمفاوية كما في حالات سرطان الثدي أو البروستاتا.

سادسًا: متلازمة ما قبل الحيض والحمل المتأخر

في الأيام التي تسبق الحيض، تعاني بعض النساء من احتباس السوائل نتيجة التغيرات الهرمونية، ما يؤدي إلى انتفاخ القدمين. كما أن الثلث الثالث من الحمل قد يترافق بتورم كبير في القدمين نتيجة الضغط الرحمي على أوردة الحوض.

سابعًا: الجلطات الدموية (Deep Vein Thrombosis)

تشكل جلطة دموية في أوردة الساق العميقة يمكن أن تعيق عودة الدم إلى القلب، ما يؤدي إلى انتفاخ قدم واحدة بشكل ملحوظ، وغالبًا ما يكون التورم مصحوبًا بألم ودفء واحمرار. هذه حالة طارئة وقد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل الانصمام الرئوي.

ثامنًا: التأثيرات الهرمونية

الهرمونات مثل الإستروجين والبروجستيرون تؤثر على قدرة الجسم على الاحتفاظ بالماء، ما يفسر بعض حالات التورم لدى النساء، خصوصًا خلال الدورة الشهرية أو عند استخدام موانع الحمل الهرمونية.

جدول موجز لأبرز أسباب انتفاخ القدمين وتصنيفها

التشخيص الطبي للحالة

يبدأ التشخيص عادة بأخذ التاريخ المرضي الكامل، وتحديد العوامل المرافقة للتورم مثل الألم، أو التنفس، أو وجود أمراض مزمنة. ثم يتم إجراء الفحص السريري لتحديد طبيعة الانتفاخ (صلب، ليّن، مؤلم، أحادي أو ثنائي). وتُستخدم فحوصات مثل:

• تحليل الدم (لكشف مشاكل الكلى والكبد والبروتينات)

• تخطيط القلب الكهربائي وتخطيط القلب بالأمواج فوق الصوتية

• فحص دوبلر للأوردة للكشف عن الجلطات

• فحوص وظائف الكلى والكبد

الخاتمة العلمية

انتفاخ القدمين ليس حالة صحية تُؤخذ بخفة، إذ قد يكون عرضًا بسيطًا أو مؤشرًا لحالة صحية خطيرة تتطلب تدخلاً فوريًا. الفهم الشامل للأسباب والآليات المسببة يتيح الوقاية والعلاج المبكر، كما يبرز أهمية التقييم الطبي المنتظم خاصة لدى الأشخاص المعرضين لهذه الحالات. الوقاية تشمل الحركة اليومية، تقليل الملح في الطعام، اختيار الأحذية المناسبة، والانتباه لأي أعراض مرافقة مثل الألم أو صعوبة التنفس.

المراجع

1. Mayo Clinic. “Swollen Legs and Ankles.” https://www.mayoclinic.org

2. Cleveland Clinic. “Leg Swelling.” https://my.clevelandclinic.org