أسباب تساقط الشعر عند الأطفال

تساقط الشعر عند الأطفال من الظواهر التي تثير قلق الأهل، ويعتبرها البعض علامة على وجود مشكلة صحية أو نفسية تستدعي التدخل الطبي. الشعر بالنسبة للأطفال لا يقل أهمية عن الصحة الجسدية أو النفسية، إذ أن فقدانه قد يؤثر على ثقتهم بأنفسهم ونموهم النفسي والاجتماعي. ولهذا، يكتسب فهم أسباب تساقط الشعر عند الأطفال أهمية بالغة، ليس فقط لتحديد طرق العلاج، بل أيضاً للوقاية والتعامل السليم مع هذه المشكلة.

في هذا المقال، سيتم استعراض أسباب تساقط الشعر عند الأطفال بشكل مفصل، مع التركيز على العوامل الطبية والبيئية والنفسية التي تؤدي إلى هذه الظاهرة. كما سيتناول المقال تشخيص الحالات المختلفة، وأبرز العلاجات الممكنة، بالإضافة إلى نصائح للوقاية.

تعريف تساقط الشعر عند الأطفال

تساقط الشعر هو فقدان كمية كبيرة من الشعر عن المعدل الطبيعي، والذي يختلف بين الأشخاص. بالنسبة للأطفال، يكون معدل نمو الشعر ونقله من طور النمو إلى طور التساقط أكثر حساسية وتأثراً بالعوامل المختلفة، ولذلك فإن ملاحظة تساقط الشعر بشكل مفرط عند الطفل يجب أن تُعتبر علامة تحذيرية.

الجدير بالذكر أن الشعر الطبيعي يتساقط يومياً بمعدل 50-100 شعرة، وهذا أمر طبيعي ولا يستدعي القلق. أما إذا زادت الكمية عن ذلك، أو ظهرت بقع صلعاء أو تغيرات في فروة الرأس، فهذه علامات تستوجب اهتماماً خاصاً.

أسباب تساقط الشعر عند الأطفال

1. الأسباب الطبية والعضوية

أ. الالتهابات الفطرية لفروة الرأس

أحد أكثر الأسباب شيوعاً لتساقط الشعر عند الأطفال هو الإصابة بالتهابات فطرية تعرف باسم “السعفة” (Tinea capitis). هذه العدوى تسبب ظهور بقع حمراء متقشرة على فروة الرأس، مع فقدان الشعر في تلك المناطق. السعفة معدية وتنتقل بسهولة بين الأطفال في المدارس ورياض الأطفال.

تحتاج الإصابة إلى علاج طبي باستخدام مضادات الفطريات الفموية والموضعية، حيث أن إهمال العلاج يؤدي إلى تفاقم الحالة وتوسع مساحة التساقط.

ب. الثعلبة (Alopecia Areata)

الثعلبة هي مرض مناعي ذاتي يهاجم فيه جهاز المناعة بصيلات الشعر، مما يؤدي إلى تساقط الشعر على شكل بقع دائرية صلعاء. يمكن أن تحدث هذه الحالة في أي عمر، وهي شائعة بين الأطفال.

تكون الثعلبة في بعض الحالات مرتبطة بأمراض مناعية أخرى مثل التهابات الغدة الدرقية أو الأكزيما. تختلف شدة الحالة من طفل لآخر، وقد تستجيب للعلاج بالكورتيكوستيرويدات أو العلاجات المناعية.

ج. نقص العناصر الغذائية

نقص بعض الفيتامينات والمعادن الأساسية مثل الحديد، الزنك، فيتامين د، وفيتامين ب12 يمكن أن يؤدي إلى تساقط الشعر عند الأطفال. يعتبر فقر الدم الناتج عن نقص الحديد أحد أكثر الأسباب شيوعاً، حيث يلعب الحديد دوراً أساسياً في تكوين الهيموغلوبين اللازم لتغذية بصيلات الشعر.

غالباً ما يصاحب هذا النوع من التساقط أعراض أخرى مثل التعب، شحوب الجلد، ضعف المناعة، وتأخر النمو.

د. اضطرابات الغدة الدرقية

قصور أو فرط نشاط الغدة الدرقية عند الأطفال يؤثر بشكل مباشر على نمو الشعر وتماسكه. قصور الغدة الدرقية يسبب تساقطاً بطيئاً ومتزايداً، بينما فرط النشاط قد يؤدي إلى فقدان الشعر بشكل مفاجئ.

تشخيص اضطرابات الغدة الدرقية يتطلب فحوصات دم لمعرفة مستوى الهرمونات، ويعتمد العلاج على تصحيح هذه الاضطرابات.

هـ. الأمراض المزمنة والحالات الطبية الأخرى

بعض الأمراض المزمنة مثل السكري، أمراض الكبد، أو أمراض الكلى قد تؤدي إلى تساقط الشعر كأحد الأعراض المصاحبة. بالإضافة إلى ذلك، قد تتسبب بعض العلاجات الدوائية، مثل العلاج الكيميائي، في تساقط الشعر بشكل كبير.

2. الأسباب النفسية والعصبية

أ. تساقط الشعر النفسي (Telogen Effluvium)

يحدث هذا النوع من التساقط بعد تعرض الطفل لصدمات نفسية أو ضغوط نفسية حادة، مثل فقدان أحد الوالدين، مشاكل في المدرسة، أو تغير مفاجئ في البيئة المحيطة. في هذه الحالة، يدخل عدد كبير من الشعرات في طور الراحة (telogen phase) مما يؤدي إلى تساقط كثيف بعد فترة تتراوح بين 2-3 أشهر من الحدث.

يتميز تساقط الشعر النفسي بأنه مؤقت وقابل للعكس بعد تحسن الحالة النفسية.

ب. عادة نتف الشعر (Trichotillomania)

هي اضطراب نفسي يصيب بعض الأطفال، حيث يقوم الطفل بقلق أو نتف شعره بشكل متكرر لا يمكنه السيطرة عليه. هذا يؤدي إلى بقع صلعاء غير منتظمة في فروة الرأس.

عادة نتف الشعر تتطلب تدخل نفسي وعلاج سلوكي لتعديل هذا السلوك.

3. العوامل البيئية والسلوكية

أ. العناية غير الصحيحة بفروة الرأس والشعر

بعض ممارسات العناية بالشعر عند الأطفال تؤثر سلباً على صحة الشعر، مثل استخدام مستحضرات كيميائية قاسية، تمشيط الشعر بعنف، أو غسل الشعر بماء ساخن جداً. كل هذه العوامل تسبب تلف بصيلات الشعر وتساقطه.

ب. الحلاقة أو التسريحات الضيقة

تسريحات الشعر الضيقة جداً مثل الجدائل المشدودة أو ذيل الحصان يمكن أن تسبب ما يعرف بـ”الصلع الناتج عن الشد” (Traction Alopecia). هذه الحالة تنتج عن الضغط المستمر على بصيلات الشعر، مما يؤدي إلى تساقطها تدريجياً.

ج. التعرض المفرط للشمس والحرارة

التعرض لفترات طويلة لأشعة الشمس المباشرة أو استخدام مجففات الشعر بدرجات حرارة عالية يسبب تلف الشعر وجفافه، وبالتالي تساقطه.

4. أسباب وراثية

قد يعاني بعض الأطفال من تساقط شعر وراثي مرتبط بجينات العائلة، حيث تبدأ بصيلات الشعر في التراجع مبكراً. هذا النوع نادر في الأطفال لكنه ممكن الحدوث في بعض الحالات.

تشخيص تساقط الشعر عند الأطفال

يبدأ التشخيص بجمع معلومات كاملة عن الحالة الصحية للطفل، تاريخ العائلة، العادات اليومية، وأي أعراض مصاحبة مثل الحكة أو التهاب فروة الرأس. ثم يتم فحص فروة الرأس والشعر بشكل دقيق.

قد يلجأ الطبيب إلى:

• تحليل دم للكشف عن نقص الفيتامينات أو اضطرابات الغدة الدرقية.

• خزعة جلدية من فروة الرأس في بعض الحالات غير الواضحة.

• اختبارات فطرية للتأكد من وجود عدوى فطرية.

• تقييم نفسي إذا اشتبه في سبب نفسي لتساقط الشعر.

علاج تساقط الشعر عند الأطفال

يعتمد العلاج بشكل رئيسي على السبب:

• في حالة العدوى الفطرية، يتم استخدام مضادات الفطريات.

• بالنسبة للثعلبة، قد يحتاج الطفل إلى أدوية مناعية مثل الستيرويدات.

• في حالات نقص التغذية، يعطى الطفل مكملات غذائية وتعليمات غذائية خاصة.

• علاج اضطرابات الغدة الدرقية يساهم في إعادة نمو الشعر.

• في حالات التساقط النفسي، يتطلب الأمر دعم نفسي وربما جلسات علاج سلوكي.

• تصحيح العادات السيئة في العناية بالشعر يمنع تفاقم المشكلة.

الوقاية من تساقط الشعر عند الأطفال

• توفير نظام غذائي متوازن غني بالفيتامينات والمعادن الضرورية.

• الحفاظ على نظافة فروة الرأس مع تجنب غسل الشعر بماء ساخن جداً.

• استخدام مشط واسع الأسنان وتمشيط الشعر بلطف.

• تجنب تسريحات الشعر الضيقة والضغط المستمر على فروة الرأس.

• مراقبة صحة الطفل النفسية وتقديم الدعم المناسب.

• تفادي استخدام مستحضرات كيميائية قاسية أو غير مناسبة للأطفال.

جدول يوضح أسباب تساقط الشعر عند الأطفال مع طرق العلاج

خاتمة

تساقط الشعر عند الأطفال مسألة تحتاج إلى اهتمام طبي متكامل يشمل الفحص الدقيق، التشخيص السليم، والعلاج المناسب حسب السبب. العوامل التي تؤدي إلى هذه الحالة متعددة، ما بين أسباب طبية، نفسية، بيئية، ووراثية، مما يتطلب تنسيق الجهود بين الطبيب، الأهل، والمختصين النفسيين. الوقاية السليمة والعناية المناسبة بالشعر، إلى جانب توفير التغذية السليمة، تشكل الركيزة الأساسية للحفاظ على صحة شعر الأطفال وتقليل فرص تساقطه.

المصادر والمراجع

• James, W.D., Berger, T.G., Elston, D.M. (2015). Andrews’ Diseases of the Skin: Clinical Dermatology. Elsevier Health Sciences.

• Tosti, A., Piraccini, B.M. (2004). Hair Diseases in Childhood. Dermatologic Clinics, 22(3), 297-305.