أسباب تأخر الكلام عند الأطفال وعلاجه
يُعد تطور اللغة والكلام أحد المؤشرات الأساسية التي يعتمد عليها الأطباء والمتخصصون لتقييم النمو العقلي والمعرفي لدى الأطفال. يبدأ الطفل في إصدار الأصوات منذ الأشهر الأولى من حياته، ويستمر في التطور تدريجياً حتى يتمكن من التعبير عن نفسه بوضوح. غير أن بعض الأطفال قد يظهرون تأخراً ملحوظاً في الكلام مقارنة بأقرانهم، وهو ما يثير القلق لدى الأهل ويدفعهم للبحث عن الأسباب والحلول. تأخر الكلام لا يعني بالضرورة وجود اضطراب دائم، لكنه قد يكون مؤشراً على حالة تتطلب التدخل المبكر والدقيق.
يتناول هذا المقال بشكل موسّع الأسباب المختلفة لتأخر الكلام عند الأطفال، ويعرض آليات التشخيص وأهم الوسائل العلاجية المتاحة، مدعوماً بأحدث الأبحاث والدراسات في مجالات علم النفس، وطب الأطفال، وعلم الأعصاب.
أولاً: ما هو تأخر الكلام عند الأطفال؟
يُعرف تأخر الكلام بأنه التأخر في قدرة الطفل على استخدام الكلمات والجمل للتواصل مقارنة بما هو متوقع لعمره الزمني. هذا التأخر قد يشمل التأخر في نطق الكلمات الأولى، قلة المفردات المستخدمة، أو الصعوبات في تركيب الجمل. ومن المهم التفريق بين “تأخر الكلام” و”تأخر اللغة”، إذ أن الأول يشير إلى مشكلة في نطق الأصوات والكلمات، بينما يشير الثاني إلى اضطراب في الفهم والتعبير بشكل عام.
ثانياً: مراحل تطور الكلام الطبيعي عند الأطفال
لمعرفة ما إذا كان الطفل يعاني من تأخر في الكلام، يجب أولاً فهم مراحل النمو الطبيعي للكلام واللغة:
| العمر | التطورات المتوقعة في الكلام واللغة |
|---|---|
| من 0 إلى 6 أشهر | يصدر أصوات غير مفهومة (المناغاة)، يستجيب للأصوات، يبتسم عند التحدث إليه |
| من 6 إلى 12 شهراً | يبدأ في نطق مقاطع بسيطة مثل “با با” أو “ما ما”، يفهم بعض الكلمات مثل “لا” |
| من 12 إلى 18 شهراً | يستخدم كلمات بسيطة للتعبير عن الأشياء، يشير إلى الأشياء بالإصبع |
| من 18 إلى 24 شهراً | تكون حصيلته اللغوية بين 20 و50 كلمة، يبدأ بتركيب جمل من كلمتين |
| من 2 إلى 3 سنوات | يستخدم جمل كاملة من 3 إلى 4 كلمات، يستطيع تسمية الأشياء والصور |
| من 3 إلى 4 سنوات | يتحدث بجمل طويلة، يسأل أسئلة، يكون مفهوماً من قبل الغرباء بنسبة كبيرة |
في حال تأخر الطفل عن تحقيق هذه المراحل، ينبغي تقييم حالته بدقة.
ثالثاً: الأسباب العضوية لتأخر الكلام
1. ضعف السمع أو فقدانه
يُعد فقدان السمع الجزئي أو الكلي من أهم الأسباب العضوية لتأخر الكلام. عندما لا يسمع الطفل الأصوات بوضوح، فإنه لا يكتسب المهارات السمعية اللازمة لتطوير اللغة. الحالات الشائعة تشمل التهابات الأذن الوسطى المتكررة أو ضعف العصب السمعي.
2. اضطرابات عصبية
مثل الشلل الدماغي، أو إصابات الدماغ أثناء الولادة، والتي قد تؤثر على مراكز الكلام في الدماغ، خصوصاً في الفص الجبهي الأيسر. هذه الاضطرابات قد تؤدي إلى خلل في التنسيق الحركي الضروري لنطق الكلمات.
3. التوحد
يُعد اضطراب طيف التوحد من الأسباب الشائعة لتأخر الكلام. لا يعاني جميع الأطفال المصابين بالتوحد من تأخر لغوي، لكن معظمهم يظهرون صعوبات في استخدام اللغة لأغراض تواصلية واجتماعية، ويعانون من ضعف في مهارات التفاعل الاجتماعي.
4. متلازمة داون
يواجه الأطفال المصابون بمتلازمة داون صعوبات في الكلام بسبب ضعف العضلات الفموية، وتأخر النمو العقلي العام، ما يؤثر على تطوير اللغة والكلام.
رابعاً: الأسباب البيئية والنفسية
1. نقص التحفيز اللغوي
البيئة الفقيرة لغوياً، التي لا يتحدث فيها الوالدان كثيراً مع الطفل، تؤدي إلى تأخر تطور اللغة. عدم قراءة القصص، أو الغياب شبه الكامل للتفاعل الكلامي في السنوات الأولى، يساهم في تأخر النطق.
2. الاعتماد المفرط على الأجهزة الإلكترونية
تشير الدراسات إلى أن الإفراط في استخدام الشاشات الذكية (مثل الهواتف والأجهزة اللوحية) في عمر مبكر يرتبط بتأخر تطور الكلام واللغة. هذه الأجهزة غالباً ما تحل محل التفاعل اللفظي المباشر، الذي يُعد ضرورياً لتنمية اللغة.
3. التعدد اللغوي في البيئة الأسرية
في بعض الأحيان، قد يؤدي التحدث بلغتين أو أكثر في المنزل إلى تأخر مؤقت في الكلام لدى الطفل، بسبب ارتباكه بين القواعد والمفردات. لكن هذا التأخير غالباً ما يكون مؤقتاً، ويزول مع الوقت إذا تمت إدارة البيئة اللغوية بشكل سليم.
4. العوامل النفسية والاجتماعية
الضغوط النفسية، مثل الصدمات، الإهمال العاطفي، أو التعرض للعنف، قد تؤثر سلباً على تطور الكلام. الأطفال الذين يفتقرون إلى الأمان أو يعانون من اضطرابات نفسية قد يظهرون انسحاباً كلامياً وتأخراً في اللغة.
خامساً: تشخيص تأخر الكلام
الفحص السريري
يبدأ التشخيص عادة بجمع التاريخ الطبي والنمائي الكامل للطفل، إلى جانب تقييم النمو اللغوي ومقارنته بالمعدلات العمرية الطبيعية.
اختبارات السمع
يتم فحص السمع باستخدام اختبارات متخصصة للكشف عن أي مشكلات سمعية قد تؤثر على تطور الكلام.
التقييم النفسي والتربوي
قد يُحال الطفل إلى أخصائي نفسي تربوي لتقييم القدرات المعرفية والاجتماعية، واستبعاد الاضطرابات مثل التوحد أو صعوبات التعلم.
التقييم العصبي
في حال الاشتباه بوجود خلل عصبي، يتم تحويل الطفل إلى طبيب أعصاب لإجراء فحوصات دماغية مثل الرنين المغناطيسي أو تخطيط الدماغ الكهربائي.
سادساً: طرق علاج تأخر الكلام
1. العلاج النطقي واللغوي
يُعد العلاج النطقي من الوسائل الأساسية لعلاج تأخر الكلام. يُقدّم من قبل أخصائيين في علاج اضطرابات اللغة والكلام، ويشمل تقنيات لتحسين نطق الأصوات، وتعزيز الحصيلة اللغوية، وتطوير المهارات الاجتماعية اللفظية.
2. العلاج السلوكي
خصوصاً في حالات التوحد أو اضطرابات التواصل الاجتماعي، يُستخدم العلاج السلوكي لتشجيع الطفل على استخدام اللغة كوسيلة للتفاعل والتواصل.
3. تدخلات طبية
في حال وجود مشكلات سمعية، قد يتطلب الأمر تركيب سماعات طبية أو إجراء جراحة مثل أنابيب تهوية الأذن. كما قد يُوصى بعلاجات دوائية في بعض الحالات العصبية.
4. الدعم الأسري والتربوي
يُعتبر دور الأسرة حاسماً في تحفيز اللغة. يجب على الأهل التحدث مع الطفل باستمرار، قراءة القصص له، وتشجيعه على التفاعل والتعبير عن احتياجاته لفظياً.
5. برامج التدخل المبكر
توفر العديد من الدول برامج تدخل مبكر تشمل تقييمات متعددة التخصصات وخطط علاج فردية. أظهرت الدراسات أن التدخل قبل سن الخامسة يُعطي نتائج أفضل بكثير مقارنة بالتدخل المتأخر.
سابعاً: استراتيجيات منزلية لتحفيز تطور الكلام
-
التحدث مع الطفل بشكل دائم، حتى في سن الرضاعة، وشرح ما يحدث حوله.
-
قراءة القصص التفاعلية يومياً، وتشجيعه على تسمية الصور.
-
طرح الأسئلة المفتوحة التي تحفّزه على استخدام الجمل.
-
استخدام الألعاب التعليمية التي تشجع على الكلام مثل البطاقات المصورة.
-
تقليل وقت الشاشة إلى أقل من ساعة يومياً للأطفال دون 5 سنوات حسب توصيات منظمة الصحة العالمية.
ثامناً: الفرق بين تأخر الكلام واضطرابات الكلام
من المهم التفريق بين “تأخر الكلام” و”اضطرابات الكلام”. في حين أن التأخر يشير إلى بطء في التطور الطبيعي، فإن الاضطرابات تشمل مشاكل محددة مثل التلعثم، اضطراب النطق، أو عسر التلفظ. كل حالة منها تتطلب أسلوباً خاصاً في التشخيص والعلاج.
تاسعاً: متى يكون تأخر الكلام مدعاة للقلق الطبي؟
يُنصح بمراجعة الأخصائيين في الحالات التالية:
-
إذا لم ينطق الطفل أي كلمات حتى عمر 18 شهراً.
-
إذا كان يستخدم أقل من 50 كلمة في عمر السنتين.
-
إذا كان الطفل لا يستطيع تكوين جمل من كلمتين في عمر 30 شهراً.
-
إذا لاحظ الأهل تراجعاً في القدرات الكلامية بعد أن كان الطفل يتكلم سابقاً.
عاشراً: التأخر في الكلام وتأثيره على المدى الطويل
عدم معالجة تأخر الكلام قد يؤدي إلى:
-
صعوبات في التعلم الأكاديمي لاحقاً، خاصة في مجالات القراءة والكتابة.
-
مشكلات في التفاعل الاجتماعي، والانزواء.
-
ضعف الثقة بالنفس والشعور بالعجز.
-
تأثر الأداء المدرسي بشكل عام.
وبالتالي فإن التدخل المبكر لا يعالج المشكلة فقط، بل يقي الطفل من مضاعفات مستقبلية قد تؤثر على حياته المهنية والاجتماعية.
المراجع:
-
American Speech-Language-Hearing Association (ASHA). “Late Language Emergence and Language Disorders.” asha.org
-
World Health Organization. “Guidelines on physical activity, sedentary behaviour and sleep for children under 5 years of age.” 2019.
