أسباب النحافة وعلاجها

تُعد النحافة من المشكلات الصحية التي يعاني منها العديد من الأشخاص حول العالم، والتي قد تكون ذات تأثير مباشر على جودة الحياة والصحة العامة للفرد. النحافة ليست مجرد مظهر خارجي بل هي حالة طبية يمكن أن ترتبط بمخاطر صحية عديدة مثل ضعف المناعة، فقر الدم، هشاشة العظام واضطرابات النمو، خصوصًا لدى الأطفال والشباب. فهم أسباب النحافة وعلاجها يتطلب تحليلًا دقيقًا للعوامل البيولوجية، النفسية، والغذائية التي تلعب دورًا محوريًا في هذه المشكلة.

تعريف النحافة ومعايير تصنيفها

النحافة هي انخفاض وزن الجسم عن المعدل الطبيعي بالنسبة للطول، وعادة ما يتم تحديد ذلك باستخدام مؤشر كتلة الجسم (BMI). إذا كان مؤشر كتلة الجسم أقل من 18.5 كجم/م² فهذا يُعتبر نحافة.

تصنيف درجات النحافة بناءً على مؤشر كتلة الجسم:

هذا الجدول يعكس المعايير التي حددتها منظمة الصحة العالمية لتقييم الحالة التغذوية بناءً على مؤشر كتلة الجسم.

الأسباب البيولوجية للنحافة

1. العوامل الوراثية

الوراثة تلعب دورًا كبيرًا في تحديد بنية الجسم ونسبة الدهون. بعض الأشخاص يولدون بجينات تجعل معدلات الأيض لديهم أعلى من الطبيعي، مما يؤدي إلى حرق السعرات الحرارية بشكل أسرع، حتى في أوقات الراحة.

2. اضطرابات الغدة الدرقية

فرط نشاط الغدة الدرقية يؤدي إلى زيادة معدل الأيض بشكل كبير، مما يتسبب في حرق السعرات الحرارية بسرعة كبيرة، وبالتالي فقدان الوزن بطريقة غير صحية. هذه الحالة قد تترافق مع أعراض مثل العصبية، التعرق الزائد، وتسارع ضربات القلب.

3. أمراض الجهاز الهضمي

بعض الأمراض التي تصيب الجهاز الهضمي مثل مرض كرون، حساسية القمح (السيلياك)، ومتلازمة القولون العصبي يمكن أن تؤدي إلى ضعف امتصاص العناصر الغذائية، ما يسبب فقدان الوزن المزمن والنحافة.

4. الإصابة بالطفيليات المعوية

العدوى بالطفيليات مثل الديدان تؤثر على امتصاص الغذاء وقد تؤدي إلى فقدان الوزن المستمر بسبب التنافس على العناصر الغذائية مع هذه الطفيليات داخل الأمعاء.

5. أمراض مزمنة

بعض الأمراض المزمنة مثل السرطان، داء السكري من النوع الأول، وفيروس نقص المناعة البشرية (HIV) تؤثر بشكل مباشر على وزن الجسم من خلال التأثير على الشهية أو زيادة استهلاك الطاقة.

الأسباب النفسية للنحافة

1. فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa)

هو اضطراب نفسي خطير يتمثل في خوف مفرط من زيادة الوزن، مما يؤدي إلى الامتناع عن تناول الطعام أو اتباع حميات قاسية تؤدي إلى فقدان شديد في الوزن.

2. التوتر والقلق والاكتئاب

الحالة النفسية السيئة تؤثر على الشهية بشكل كبير، حيث أن الكثير من الأشخاص الذين يعانون من القلق أو الاكتئاب يفقدون الرغبة في تناول الطعام، مما يؤدي إلى فقدان الوزن تدريجيًا.

3. اضطرابات الأكل

بعض اضطرابات الأكل مثل النهام العصبي (Bulimia Nervosa) والتي تتضمن الإفراط في تناول الطعام ثم اللجوء إلى التقيؤ المتعمد، قد تؤدي في مراحل معينة إلى النحافة، خصوصًا إذا كانت ممارسات التطهير مفرطة.

الأسباب الغذائية للنحافة

1. قلة تناول السعرات الحرارية

تناول كميات غير كافية من السعرات الحرارية مقارنة بمعدل الحرق اليومي يؤدي إلى فقدان الوزن بمرور الوقت. هذا يحدث غالبًا عند الأشخاص الذين يتبعون حميات غذائية شديدة أو لديهم عادات غذائية غير صحية.

2. سوء التغذية

الاعتماد على وجبات فقيرة بالمغذيات الضرورية وعدم تناول وجبات متوازنة تحتوي على البروتينات، الدهون الصحية، الكربوهيدرات المعقدة والفيتامينات يؤدي إلى عدم حصول الجسم على ما يحتاجه للنمو والحفاظ على الوزن.

3. النشاط البدني المفرط

الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بكثافة مثل العدائين ورافعي الأثقال أحيانًا يعانون من النحافة إذا لم يتم تعويض السعرات الحرارية المفقودة بما يتناسب مع حجم النشاط.

العوامل البيئية والاجتماعية

في بعض الحالات، ترتبط النحافة بعوامل بيئية مثل سوء الأوضاع الاقتصادية التي تحد من القدرة على الحصول على غذاء كافٍ ومتنوع. كما أن بعض المعتقدات الثقافية قد تلعب دورًا في تعزيز سلوكيات غذائية غير صحية تؤدي إلى النحافة.

مضاعفات النحافة

النحافة ليست مجرد مشكلة جمالية بل تتعدى ذلك إلى مضاعفات صحية قد تكون خطيرة على المدى الطويل. من أبرز هذه المضاعفات:

• ضعف الجهاز المناعي وزيادة خطر الإصابة بالعدوى.

• هشاشة العظام بسبب نقص الكالسيوم وفيتامين D.

• تساقط الشعر وضعف الأظافر.

• اضطرابات الدورة الشهرية لدى النساء.

• ضعف النمو عند الأطفال والمراهقين.

• فقر الدم الناتج عن نقص الحديد والفيتامينات.

طرق تشخيص النحافة

تشخيص النحافة لا يعتمد فقط على الوزن، بل يشمل مجموعة من التحاليل والفحوصات لمعرفة السبب الجذري للمشكلة:

• قياس مؤشر كتلة الجسم.

• تحليل وظائف الغدة الدرقية.

• فحص مستويات الحديد والفيتامينات والمعادن.

• تحاليل للكشف عن الطفيليات المعوية.

• فحص اضطرابات الجهاز الهضمي.

• تقييم الحالة النفسية والسلوكية.

علاج النحافة

علاج النحافة يتطلب خطة شاملة ومتكاملة تعتمد على معالجة السبب الجذري بالإضافة إلى تحسين العادات الغذائية والنمط المعيشي. يتضمن العلاج عدة محاور رئيسية:

1. العلاج الغذائي

زيادة السعرات الحرارية

الخطوة الأساسية لعلاج النحافة هي زيادة كمية السعرات الحرارية المستهلكة يوميًا بما يفوق احتياجات الجسم للحفاظ على الوزن. يُنصح بتناول 500-1000 سعرة حرارية إضافية يوميًا لتحقيق زيادة صحية في الوزن.

تناول وجبات غنية بالطاقة

التركيز على تناول أطعمة تحتوي على سعرات حرارية مرتفعة ومغذيات مثل:

• المكسرات والبذور.

• الحليب كامل الدسم ومشتقاته.

• اللحوم الحمراء.

• الزيوت النباتية الصحية مثل زيت الزيتون.

• الأفوكادو.

تناول وجبات متعددة

تقسيم الوجبات إلى 5-6 وجبات صغيرة يوميًا بدلاً من ثلاث وجبات رئيسية يساعد على زيادة الاستهلاك الكلي للطعام دون الشعور بالامتلاء المفرط.

تعزيز البروتين

زيادة تناول البروتين ضروري لبناء الكتلة العضلية مع زيادة الوزن. يجب تناول مصادر متنوعة للبروتين مثل اللحوم، البيض، الحليب، البقوليات والمكملات الغذائية إذا لزم الأمر.

الاهتمام بالعناصر الدقيقة

يجب التأكد من الحصول على كميات كافية من الحديد، الزنك، الكالسيوم، وفيتامين D من خلال الغذاء أو المكملات عند الحاجة.

2. العلاج السلوكي والنفسي

إذا كان السبب مرتبطًا باضطرابات الأكل أو مشاكل نفسية، فلا بد من تدخل العلاج النفسي والسلوكي تحت إشراف مختصين. يتضمن العلاج السلوكي إعادة تشكيل العلاقة مع الطعام وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول الوزن.

3. العلاج الطبي

في حال كانت النحافة ناتجة عن أمراض عضوية مثل فرط نشاط الغدة الدرقية أو أمراض الجهاز الهضمي، يجب معالجة السبب المرضي من خلال الأدوية المناسبة أو التدخل الجراحي إذا لزم الأمر.

4. ممارسة تمارين المقاومة

تمارين المقاومة تساعد في بناء الكتلة العضلية بدلاً من تراكم الدهون غير الصحية. يُفضل ممارسة التمارين مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيًا مع إشراف مدرب مختص لضمان التقدم بطريقة صحية.

5. مكملات زيادة الوزن

في بعض الحالات يُنصح باستخدام مكملات غذائية مثل:

• البروتين باودر.

• مشروبات غنية بالسعرات الحرارية.

• مكملات الفيتامينات والمعادن.

يجب استخدام هذه المكملات تحت إشراف أخصائي تغذية لتجنب الإفراط أو الاعتماد الكامل عليها.

6. تحسين نمط الحياة

النوم الجيد (7-8 ساعات يوميًا) مهم لدعم عملية بناء العضلات وتحفيز هرمونات النمو. كما أن تجنب التدخين والكحول ضروري للحفاظ على صحة الجسم واستعادة الوزن بشكل صحي.

نصائح غذائية عملية لعلاج النحافة

• تناول كوب من الحليب مع كل وجبة.

• إضافة ملعقة من زيت الزيتون أو الزبدة الطبيعية للأطعمة.

• تناول المكسرات كوجبات خفيفة بين الوجبات الرئيسية.

• اختيار العصائر الطبيعية مع العسل بدلاً من المشروبات الغازية.

• تناول الخبز الكامل مع زبدة الفول السوداني أو الجبن كامل الدسم.

• شرب العصائر المخلوطة بالحليب والمكسرات.

• الإكثار من الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات مثل الأرز، البطاطا، والمعكرونة.

• تناول الفواكه المجففة التي تحتوي على كثافة سعرات حرارية مرتفعة.

الفرق بين النحافة الصحية والنحافة المرضية

النحافة الصحية هي التي يتمتع بها بعض الأشخاص بسبب التركيبة الجينية مع وجود مؤشرات حيوية طبيعية مثل معدلات الطاقة الجيدة، المناعة القوية، ودورات شهرية منتظمة لدى النساء.

أما النحافة المرضية فهي التي ترتبط بفقدان الوزن غير المبرر، ضعف المناعة، تساقط الشعر، التعب المستمر، واضطرابات في الأداء الحيوي للجسم.

خاتمة

النحافة قد تكون انعكاسًا لحالة صحية تحتاج إلى علاج دقيق ومتابعة مستمرة. من المهم التعامل مع النحافة بجدية ومعالجة أسبابها من خلال خطة متكاملة تشمل التغذية السليمة، العناية النفسية، والفحوصات الطبية المنتظمة. الوصول إلى وزن صحي يعزز من جودة الحياة ويقلل من احتمالية الإصابة بأمراض خطيرة في المستقبل.

المراجع

• منظمة الصحة العالمية WHO – “Body mass index – BMI”

• Mayo Clinic – “Underweight health risks and treatment”