أين تقع الكلية في جسم الإنسان

تُعد الكلية من أهم الأعضاء الحيوية في جسم الإنسان، إذ تلعب دوراً محورياً في تنظيم العمليات الفسيولوجية المعقدة التي تضمن توازن الجسم واستمرارية وظائفه الحيوية. تقع الكليتان في موقع تشريحي دقيق يتناسب مع الأدوار التي تؤديها، وهي محمية داخل تجويف الجسم بين عدد من التراكيب العضلية والعظمية التي توفر لها الثبات والأمان. لفهم أهمية الكليتين وموقعهما ودورهما في الجسم، لا بد من التعمق في البنية التشريحية والفسيولوجية لهذه الأعضاء.

الموقع التشريحي للكلية في جسم الإنسان

تقع الكليتان في الجزء الخلفي من التجويف البطني، وتحديداً في المنطقة الخلفية الجانبية للبطن، إلى الجانبين من العمود الفقري السفلي، على مستوى الفقرات القطنية (القطنية الأولى إلى الرابعة). كل كلية تقع خلف البريتون (الغشاء الذي يبطّن التجويف البطني)، ولذلك يُطلق عليها موقع “خلف البريتون” أو Retroperitoneal.

الكلى اليمنى عادة ما تكون أقل ارتفاعاً بقليل من الكلية اليسرى بسبب وجود الكبد الكبير فوقها، مما يدفعها للأسفل. من حيث الموقع الدقيق، الكلية اليمنى تقع في المستوى التقريبي للفقرتين القطنيتين الثانية والثالثة، بينما الكلية اليسرى تقع عادة بين الفقرتين القطنيتين الأولى والثانية. يزن كل من الكليتين ما بين 120 إلى 150 غراماً، ويبلغ طولها حوالي 11 إلى 13 سنتيمتراً.

العلاقات التشريحية للكليتين

الكلية اليمنى:

• من الأمام: على اتصال مع الكبد (الجزء السفلي منه)، والقولون الصاعد، والاثني عشر.

• من الخلف: تتصل بعضلات جدار الظهر مثل العضلة القطنية الكبيرة (Psoas major)، العضلة المربعة القطنية (Quadratus lumborum)، والعضلة المستعرضة للبطن. كما يفصلها عن الجلد الضلوع السفلية (الضلع الثاني عشر غالبًا).

الكلية اليسرى:

• من الأمام: تقع خلف المعدة والبنكرياس والطحال، كما تتصل مع القولون النازل.

• من الخلف: كحال الكلية اليمنى، تتصل بعضلات الظهر والضلوع.

تُحيط بالكلى طبقة سميكة من الدهون تُعرف بـ”الدهون المحيطة بالكلية” وتساعد في تثبيتها وحمايتها من الصدمات، كما تُحاط أيضًا بمحفظة ليفية (Capsule) تحمي نسيجها الداخلي.

البنية الداخلية للكلية

تتكون الكلية من جزئين رئيسيين من الناحية البنيوية:

1. القشرة الكلوية (Renal Cortex): وهي الطبقة الخارجية التي تحتوي على الكبيبات الكلوية، حيث يتم ترشيح الدم في أول مراحل تكوين البول.

2. اللب الكلوي (Renal Medulla): الطبقة الداخلية التي تحتوي على الأهرامات الكلوية (Renal Pyramids)، وتقوم بدور هام في تجميع البول ونقله إلى الحوض الكلوي.

في مركز الكلية يوجد ما يُعرف بـ”الحوض الكلوي” (Renal Pelvis)، الذي يتجمع فيه البول قبل أن ينتقل عبر الحالب إلى المثانة.

وظائف الكلية

الكلى ليست مجرد عضو ترشيح، بل هي مركز فسيولوجي معقد له وظائف متعددة تشمل:

1. تنقية الدم والتخلص من الفضلات

الكلى تقوم يومياً بترشيح حوالي 180 لترًا من الدم لإزالة الفضلات الناتجة عن الأيض مثل اليوريا والكرياتينين، كما تزيل السموم والمواد الكيميائية الزائدة.

2. تنظيم توازن الماء والأملاح

الكلى تتحكم بدقة في كمية الماء والصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم وغيرها من الأملاح في الجسم، وهو أمر حاسم في الحفاظ على ضغط الدم وتوازن الحموضة.

3. تنظيم ضغط الدم

من خلال نظام الرينين-أنجيوتنسين-ألدوستيرون، تستطيع الكلى التحكم في قطر الأوعية الدموية وفي كمية السوائل في الجسم، مما يؤثر مباشرة على ضغط الدم.

4. إنتاج الهرمونات

الكلى تفرز عدة هرمونات أساسية مثل:

• الإريثروبويتين (Erythropoietin): يحفز نخاع العظام لإنتاج خلايا الدم الحمراء.

• الرينين: لتنظيم ضغط الدم.

• الكالسيتريول: وهو الشكل الفعال من فيتامين D، الذي يساعد في امتصاص الكالسيوم.

5. تنظيم الحموضة (pH) في الجسم

من خلال إعادة امتصاص البيكربونات وإفراز الهيدروجين، تساهم الكلية في الحفاظ على توازن الحموضة في الدم.

الأمراض الشائعة المرتبطة بالكلى

نظرًا لحساسية هذا العضو وأهميته، يمكن أن تؤدي أي اضطرابات في وظيفته إلى مضاعفات خطيرة. من أبرز الأمراض:

العوامل المؤثرة على صحة الكلى

تلعب العوامل الوراثية والبيئية والسلوكية دوراً مهماً في تحديد صحة الكلى. من أبرز هذه العوامل:

• ارتفاع ضغط الدم: يؤدي إلى تلف الأوعية الدموية الدقيقة في الكلى.

• داء السكري: يسبب تراكم الجلوكوز في الأوعية والشعيرات الكلوية، مما يؤدي إلى تلفها.

• نقص شرب الماء: يؤدي إلى تركيز البول وتشكل الحصى.

• الإفراط في استخدام الأدوية: مثل المسكنات (مضادات الالتهاب اللاستيرويدية)، التي قد تضر الكلية عند استخدامها لفترات طويلة.

• النظام الغذائي الغني بالبروتين والصوديوم: يجهد الكلى ويزيد من مخاطر الأمراض.

أهمية الكشف المبكر والفحوصات الدورية

تُعتبر الفحوصات المخبرية الدورية للوظائف الكلوية أداة حاسمة للكشف عن أي خلل في الأداء الوظيفي للكلى، ومن أهم هذه الفحوصات:

• تحليل البول: لرصد وجود البروتين، الدم، أو الخلايا غير الطبيعية.

• فحص الكرياتينين في الدم: كمؤشر مباشر لوظيفة الكلى.

• معدل الترشيح الكبيبي (eGFR): لتقييم مستوى الفلترة الكلوية.

• فحص اليوريا: كمؤشر إضافي لتراكم الفضلات.

الكلى في سياق الجهاز البولي

الكلى تُعد الجزء الأول في الجهاز البولي، والذي يتكون من:

1. الكليتين: لإنتاج البول.

2. الحالبين: لنقل البول من الكليتين إلى المثانة.

3. المثانة: لتخزين البول.

4. الإحليل: لإخراج البول إلى خارج الجسم.

هذا النظام المتكامل يضمن التخلص من الفضلات وتنظيم البيئة الداخلية للجسم.

التبرع بالكلى وزراعة الكلى

نظراً لأن الإنسان يستطيع العيش بكلية واحدة، فإن التبرع بالكلى هو أحد أكثر أشكال التبرع بالأعضاء شيوعاً. يمكن أن يتم التبرع من شخص حي أو من متوفى دماغياً. زراعة الكلى تمثل الخيار الأمثل لعلاج الفشل الكلوي المزمن، وتتفوق على غسيل الكلى من حيث جودة الحياة ومعدل البقاء.

الخاتمة

تُعد الكلى من أهم الأعضاء التي تضمن سلامة وظائف الجسم الحيوية من خلال أدوارها التنظيمية والإفرازية والهرمونية. موقعها في الجزء الخلفي من البطن، خلف الغشاء البريتوني، يجعل منها أعضاء محمية بشكل جيد، ولكن هذا لا يمنع تعرضها للمخاطر نتيجة لأمراض مزمنة أو عادات حياتية غير صحية. الفهم الجيد لموقع الكلى ووظائفها يعزز من أهمية الحفاظ على صحتها من خلال نمط حياة متوازن وفحوصات دورية مستمرة.

المراجع:

1. National Kidney Foundation – www.kidney.org

2. Guyton and Hall Textbook of Medical Physiology – Elsevier, 2021 Edition.