أسباب الشعور بالبرد

أسباب الشعور بالبرد: تحليل شامل للظاهرة وأسبابها المتعددة

الشعور بالبرد هو تجربة إنسانية شائعة تحدث للجميع في مراحل مختلفة من الحياة، وغالباً ما يكون مرتبطاً بتغيرات درجات الحرارة المحيطة أو بفعل عوامل داخلية ترتبط بالجسم نفسه. على الرغم من أن الشعور بالبرد قد يبدو ظاهرة بسيطة، إلا أن أسبابها تتنوع بين عوامل بيئية، فسيولوجية، صحية، وحتى نفسية. في هذا المقال، سيتم تناول أسباب الشعور بالبرد من منظور علمي شامل، مع تحليل دقيق للآليات التي تؤدي إلى ظهور هذه الحالة، بالإضافة إلى التعرف على الحالات المرضية التي قد تكون السبب وراء هذا الشعور المتكرر أو المستمر.

التعريف العلمي للشعور بالبرد

الشعور بالبرد هو إحساس داخلي ينتج عن انخفاض درجة حرارة الجسم أو تعرضه لظروف مناخية باردة، وهو ناتج عن تنشيط المستقبلات الحرارية في الجلد والأنسجة الداخلية التي ترسل إشارات إلى الدماغ، وتحديداً إلى منطقة تحت المهاد (Hypothalamus) التي تلعب دوراً أساسياً في تنظيم درجة حرارة الجسم. عندما يكتشف الجسم انخفاضاً في درجة الحرارة، يبدأ بآليات تعويضية للحفاظ على الحرارة الداخلية، مثل انقباض الأوعية الدموية، الاهتزاز العضلي (القشعريرة)، وزيادة الأيض.

الأسباب البيئية للشعور بالبرد

1. انخفاض درجات الحرارة الخارجية:
   التعرض لبيئة باردة هو السبب الأكثر شيوعاً للشعور بالبرد. عندما تنخفض حرارة الهواء المحيط، تبدأ حرارة الجسم بالانخفاض، ويشعر الإنسان بالبرد. يعتمد مدى الشعور بالبرد على عوامل عدة منها الرطوبة، سرعة الرياح، ونوعية الملابس.

2. الرطوبة والرياح:
   الرطوبة العالية تجعل الجو بارداً أكثر لأن الماء ينقل الحرارة أسرع من الهواء الجاف. كذلك، تؤدي الرياح إلى زيادة فقدان الحرارة من الجسم، مما يعزز الشعور بالبرد، وهي ما يعرف بتأثير “برودة الرياح” (Wind Chill Effect).

الأسباب الفسيولوجية للشعور بالبرد

1. انخفاض معدل الأيض:
   الأيض هو العملية التي يحول بها الجسم الغذاء إلى طاقة، وهي مصدر الحرارة الأساسية للجسم. انخفاض معدل الأيض، والذي قد يحدث بسبب عوامل مثل نقص نشاط الغدة الدرقية أو سوء التغذية، يؤدي إلى نقص إنتاج الحرارة وبالتالي الشعور بالبرد.

2. نقص الدهون تحت الجلد:
   الدهون تحت الجلد تلعب دوراً عازلاً للحفاظ على حرارة الجسم. الأشخاص الذين يعانون من نقص في نسبة الدهون في أجسامهم، مثل النحفاء جداً أو الذين يعانون من فقدان الوزن الحاد، يكونون أكثر عرضة للشعور بالبرد.

3. انخفاض ضغط الدم:
   يؤدي انخفاض ضغط الدم إلى تقليل تدفق الدم إلى الأطراف، مما يسبب شعوراً بالبرد خاصة في اليدين والقدمين، لأن الأوعية الدموية تضيق لتقليل فقدان الحرارة.

4. مشاكل في الدورة الدموية:
   اضطرابات الدورة الدموية مثل مرض رينود (Raynaud’s Disease) أو تصلب الشرايين تؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية وصعوبة وصول الدم الدافئ إلى الأطراف، مما يسبب شعوراً بالبرد المستمر.

الأسباب الصحية والطبية للشعور بالبرد

1. قصور الغدة الدرقية (Hypothyroidism):
   من أكثر الأسباب شيوعاً للشعور بالبرد المزمن. الغدة الدرقية تفرز هرمونات تتحكم في سرعة الأيض. نقص هذه الهرمونات يؤدي إلى تباطؤ العمليات الحيوية، وانخفاض إنتاج الحرارة.

2. الأنيميا (فقر الدم):
   نقص الهيموغلوبين في الدم يعني أن الأكسجين لا ينتقل بكفاءة إلى الأنسجة، مما يؤدي إلى ضعف التمثيل الغذائي وإنتاج حرارة أقل، وبالتالي الشعور بالبرد خاصة في الأطراف.

3. العدوى والحمى:
   في بعض الحالات، مثل الإصابة بالإنفلونزا أو العدوى البكتيرية، قد يشعر الإنسان بالبرد مع ارتفاع في درجة حرارة الجسم. هذا الشعور هو نتيجة تفاعل الجسم مع العدوى ومحاولة رفع حرارته لمقاومة العامل الممرض.

4. السكري:
   مرض السكري يؤثر على الأعصاب والدورة الدموية، وخاصة في الأطراف، مما يسبب شعوراً بالبرد والخدر والتنميل.

5. الاضطرابات العصبية:
   بعض أمراض الجهاز العصبي مثل التصلب اللويحي أو الاعتلال العصبي قد تؤثر على كيفية تنظيم الجسم لدرجة حرارته، مسببة شعوراً بالبرد أو الحر.

الأسباب النفسية والعاطفية للشعور بالبرد

1. القلق والاكتئاب:
   التغيرات في الحالة النفسية يمكن أن تؤثر على تنظيم درجة حرارة الجسم. القلق والتوتر يسببان تحفيز الجهاز العصبي السمبثاوي مما يؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية، فيشعر الشخص بالبرد.

2. الإجهاد النفسي:
   الإجهاد الشديد قد يسبب اضطرابات في الدورة الدموية وتنظيم درجة الحرارة، ما يسبب شعوراً متكرراً بالبرد خاصة في اليدين والقدمين.

عوامل أخرى تؤدي إلى الشعور بالبرد

1. تناول بعض الأدوية:
   أدوية مثل بعض أدوية ضغط الدم، مضادات الاكتئاب، والأدوية المهدئة قد تؤثر على الدورة الدموية أو الأيض، مسببة شعوراً بالبرد.

2. النظام الغذائي:
   نقص بعض الفيتامينات والمعادن مثل فيتامين ب12، الحديد، والماغنيسيوم قد يؤثر على إنتاج الطاقة في الخلايا، مما يؤدي إلى الشعور بالبرد.

3. تقدم العمر:
   مع التقدم في السن، تنخفض القدرة على تنظيم حرارة الجسم بسبب التغيرات في الجلد، العضلات، والدورة الدموية، مما يجعل كبار السن أكثر عرضة للشعور بالبرد.

الآليات الجسمية التي تتحكم في الشعور بالبرد

تتم السيطرة على درجة حرارة الجسم عبر شبكة معقدة من الإشارات العصبية والهرمونية التي تبدأ من مستقبلات الحرارة في الجلد والأعضاء الداخلية. عندما تنخفض درجة الحرارة، يقوم الدماغ بتفعيل آليات تعويضية تشمل:

• انقباض الأوعية الدموية: لتقليل فقدان الحرارة من سطح الجلد.

• القشعريرة: انقباض لا إرادي للعضلات ينتج حرارة إضافية.

• زيادة الأيض: حيث يحفز الجسم عمليات الأيض لإنتاج حرارة.

• السلوكيات التكيفية: مثل البحث عن الدفء، ارتداء ملابس إضافية، أو تقليل النشاط البدني لتوفير الطاقة.

العلاقة بين الشعور بالبرد وأنواع الجسم

تتأثر شدة الشعور بالبرد ببنية الجسم، حيث يميل الأشخاص ذوو الأجسام النحيفة أو قليلة الدهون إلى الشعور بالبرد أكثر بسبب ضعف العزل الحراري. كما أن الأشخاص الذين لديهم كتلة عضلية أقل يميلون إلى إنتاج حرارة أقل نتيجة لانخفاض نشاط الأيض العضلي.

حالات طبية مرتبطة بالشعور المزمن بالبرد

طرق التخفيف من الشعور بالبرد

تتنوع وسائل التخفيف من الشعور بالبرد حسب السبب، ويمكن تلخيصها في:

• ارتداء ملابس مناسبة: متعددة الطبقات، عازلة للرطوبة والرياح.

• تحسين النظام الغذائي: تناول أطعمة غنية بالحديد، فيتامين ب12، والماغنيسيوم.

• العلاج الطبي: معالجة الأمراض المزمنة مثل قصور الغدة الدرقية وفقر الدم.

• التمارين الرياضية: تنشيط الدورة الدموية وزيادة إنتاج الحرارة.

• تجنب التدخين والكحول: لأنها تؤثر سلباً على الدورة الدموية.

الخاتمة

الشعور بالبرد ظاهرة طبيعية لكنها قد تشير أحياناً إلى وجود أسباب بيئية، فسيولوجية، صحية أو نفسية. التعرف على هذه الأسباب ضروري لفهم الحالة الصحية العامة ولتحديد ما إذا كان الشعور بالبرد عرضاً لحالة مرضية تستدعي التدخل الطبي. الوقاية والعلاج يتطلبان اتباع نمط حياة صحي، الاهتمام بالتغذية، ومتابعة الحالات الصحية المزمنة. هذه المعرفة تسهم في تحسين جودة الحياة وتقليل الشعور بالبرد غير المبرر، خصوصاً في الفصول الباردة أو عند التعرض المستمر لظروف بيئية صعبة.

المصادر والمراجع

1. Jameson, J. L., Fauci, A. S., Kasper, D. L., Hauser, S. L., & Loscalzo, J. (2018). Harrison’s Principles of Internal Medicine (20th Edition). McGraw-Hill Education.

2. Guyton, A. C., & Hall, J. E. (2016). Textbook of Medical Physiology (13th Edition). Elsevier.