النبأ العظيم: مصير الإنسان في الآخرة

آخر سورة مكية: سورة النبأ

تُعدُّ سور القرآن الكريم من أروع وأعمق الكتب السماوية التي تميزت ببلاغتها وجمال معانيها، حيث تحتوي على توجيهات للهداية وبلاغات عظيمة في أوجه متعددة من جوانب الحياة الإنسانية. تتوزع سور القرآن بين مكة والمدينة، وتختلف طابع السور المكية عن المدنية من حيث المواضيع والأسلوب والآيات. وفي هذا المقال، سوف نسلط الضوء على آخر السور المكية، وهي سورة النبأ، التي تميزت بمضمونها وأسلوبها المميز في معالجة قضية البعث والجزاء، وتفصيلات مدهشة في تصوير العواقب والمصير الذي ينتظر الناس في الآخرة. سنتناولها من جوانب متعددة لنكشف عن دلالاتها العميقة.

التعريف بسورة النبأ

سورة النبأ هي السورة رقم 78 في ترتيب سور القرآن الكريم، وهي من السور المكية التي نزلت في مكة المكرمة قبل الهجرة. يطلق عليها العديد من الألقاب مثل “سورة النبأ” و”سورة عمَّ”، وهي السورة التي استهلت بنبأ عظيم عن الساعة والمصير، مما يعكس الأهمية الكبرى للموضوعات التي تناولتها. وتعدُّ سورة النبأ آخر السور المكية التي نزلت في مكة قبل الهجرة إلى المدينة المنورة.

يبلغ عدد آياتها 40 آية، وقد تميزت السورة بأسلوبها البلاغي الرائع، حيث تبدأ بآية استفهامية: “عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ”، وهي أحد الأساليب التي تستخدمها السور المكية لتحفيز العقل البشري على التفكير والتدبر في المعاني. ويعتبر أسلوب الاستفهام في السورة من الأساليب التي كانت تستخدم في الدعوة المكية لتثير أسئلة حول مصير الإنسان في الآخرة، وهو ما كان محط استهجان من بعض قريش آنذاك.

النبأ العظيم: هدف السورة الأساسي

الهدف الأساسي من السورة هو التحذير من يوم القيامة، والإشارة إلى الأحداث العظيمة التي ستحدث في ذلك اليوم. تبدأ السورة بحديث عن النبأ العظيم الذي يتساءل الناس عنه. فالسورة تبدأ بآية “عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ”، وبهذا الاستفهام، تفتح السورة النقاش حول ما ينتظر البشر في اليوم الآخر، وما هي أبعاد هذا النبأ الذي يصعب على الإنسان تخيله.

تُظهر السورة بوضوح أن النبأ الذي يتساءل الناس عنه هو الآخرة وما سيحدث فيها من أحداث عظيمة، مثل البعث، الجزاء، الجنة، والنار. إذ تتساءل السورة عما إذا كان هؤلاء المنكرون لهذا اليوم العظيم يجهلون أنه واقع لا محالة. ثم تُتبع السورة في شرح مفصل للآيات التي تتحدث عن الأمور التي سيتعرض لها الناس في ذلك اليوم.

الحديث عن دلائل قدرة الله

سورة النبأ لا تقتصر على الحديث عن مصير الإنسان في الآخرة، بل تذكر كذلك دلائل قدرة الله عز وجل التي تؤكد صحة وقوع ما وعد به. إذ بدأت السورة بتذكير المكذبين بالمُلك والقدرة الإلهية، حيث تذكر السورة الآيات التي تدل على قدرة الله في خلق السموات والأرض، مثل قوله تعالى في الآية الرابعة “إِنَّا جَعَلْنَا الْمَالَ فِيهِ سَبَبًا لِّكُمْ”. هذه الآيات تهدف إلى إقناع المكذبين بأن الله هو الذي خلق كل شيء، وأنه القادر على إحيائهم من الموت وإعادة خلقهم في الحياة الآخرة. وهذا بمثابة دليل على صدق ما وعد به سبحانه وتعالى.

مظاهر يوم القيامة

انتقلت السورة بعد ذلك لتصف بشكل مذهل الأحداث التي ستحدث في يوم القيامة، الذي يُعتبر محورًا رئيسيًا في هذه السورة. تحدثت السورة عن فزع الناس من يوم الحساب، وتصف الأهوال التي سيتعرض لها الإنسان في ذلك اليوم. جاء في السورة: “إِذَا السَّمَاءُ فَارِجَتٌ وَإِذَا الجِبَالُ سَارَتٌ”، حيث تتحدث الآية عن انهيار النظام الكوني، فتتحول السماء وتتفجر الجبال، وتحدث الفوضى في الأرض.

تستمر السورة في رسم صورة مشوقة عن الأهوال التي سيعاني منها المكذبون يوم القيامة، بينما يأتي في المقابل الحديث عن النعيم الذي سيحصل عليه المؤمنون. هذه المفارقة بين العذاب الأبدي والنعيم الدائم تعزز التأثير النفسي على المتلقين وتدفعهم إلى التفكر في حقيقة الحياة والموت.

الأقسام التي سيقع فيها الناس

تتناول السورة كذلك تقسيم الناس إلى فئتين في الآخرة؛ فئة الناجين الذين سيكون جزاؤهم الجنة، وفئة الهالكين الذين سيكون جزاؤهم النار. في الآية التاسعة والثلاثين، تشير السورة إلى التورط الكامل لمن استهزأ بالآخرة أو أغمض عينيه عن الحق، إذ سيلاقون العقاب الأليم.

أما بالنسبة للمؤمنين، فسيعيشون في جنة النعيم، حيث يصف الله عز وجل النعيم الكبير الذي سيستمتع به المؤمنون في الجنة، مثل أنهارها وأشجارها وثمارها التي لا تنقطع. وتستعرض السورة هذه الأوصاف لتظهر المقارنة بين العذاب والراحة في الآخرة.

الأسلوب البلاغي في السورة

تميزت السورة بأسلوب بلاغي فريد، استخدمت فيه الاستفهام لتوضيح أبعاد موضوع الآخرة وتحديد عواقب التهاون في إيمان الإنسان. وقد تركزت السورة حول الإقناع العقلي لنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أظهرت السورة قدرة الله في خلق الكون، واستعرضت تفاصيل دقيقة في تصوير النهاية.

كما استخدمت السورة التكرار بأسلوب يعزز من قوة الفكرة، ويجعل المتلقي يعي أنه لا مجال للتهرب من الحقيقة. تتخلل السورة آيات قصيرة مفاجئة، وكأنها لحظات صادمة تُفجر فيها الحقيقة الكبرى.

الختام بمفهوم الزجر

تختتم السورة في دعوة قوية للمكذبين لتفهم الحقيقة، وتُظهر لهم أن التمادي في الإنكار سيعود عليهم بنتائج وخيمة. فكل مخلوق في الكون من الجبال، السماء، الأرض، وما إلى ذلك، يشهد على قدرة الله وإرادته في تدبير الكون، وهذه كلها مؤشرات على أن البعث قادم لا محالة.

كما جاءت السورة لتذكر الناس بأنهم يجب أن يستشعروا بعواقب أفعالهم في الدنيا، ويتذكروا أن مصيرهم ليس في أيديهم وإنما في يد الله وحده.

دلالات سورة النبأ

يمكن القول إن سورة النبأ تشكل خاتمة قوية للسور المكية من حيث التأكيد على البعث والجزاء، وقد أظهرت للناس أن مصيرهم في الآخرة سيكون على أساس ما قدموه في حياتهم الدنيا. كما أنها دعوة للإنسان للعودة إلى الله والتفكر في قدرته وإرادته.

فالسورة ليست مجرد تحذير من يوم القيامة، بل هي أيضا دعوة لكل مسلم ليصحح مساره، ويبتعد عن تكذيب الآيات الإلهية التي هي شهادة على وجود الله وقدرته، ويقترب أكثر إلى عبادة الله والعمل بما يرضيه.

إن سورة النبأ تبقى واحدة من السور التي تركز بشكل مكثف على الجوانب التي تخص مصير الإنسان في الآخرة، حيث تأخذنا في رحلة عقلية وعاطفية للتدبر في الحقائق العميقة التي تحكم الحياة والموت.