أسباب السمنة في الجزء العلوي

أسباب السمنة في الجزء العلوي من الجسم: تحليل علمي وعوامل مؤثرة

تعد السمنة من أكبر المشكلات الصحية التي تؤثر على الأفراد في جميع أنحاء العالم. وهي لا تقتصر على مجرد زيادة الوزن بشكل عام، بل تتنوع وتختلف في توزيع الدهون على أجزاء مختلفة من الجسم. واحدة من الظواهر الشائعة هي السمنة في الجزء العلوي من الجسم، حيث يعاني بعض الأشخاص من تراكم الدهون في مناطق مثل الصدر، البطن العلوي، الكتفين، والذراعين. هذه الظاهرة ليست فقط محط اهتمام من الناحية الجمالية، ولكن لها أيضًا تأثيرات صحية جسيمة. سنتناول في هذا المقال الأسباب العلمية والبيئية والوراثية للسمنة في الجزء العلوي من الجسم، مع توضيح العوامل المختلفة التي تسهم في حدوثها وكيفية التعامل معها.

1. الهرمونات وتأثيرها على توزيع الدهون

من أهم العوامل التي تحدد كيف وأين يتوزع الدهون في الجسم هي الهرمونات. في الحقيقة، الهرمونات تلعب دورًا كبيرًا في تحديد نمط السمنة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسمنة في الجزء العلوي من الجسم. الهرمونات الأكثر تأثيرًا هي:

• هرمون الإستروجين: يُعتبر الإستروجين أحد الهرمونات الرئيسية التي تؤثر في توزيع الدهون، خاصة لدى النساء. في فترة ما قبل انقطاع الطمث، يتسبب الإستروجين في تراكم الدهون في مناطق معينة من الجسم مثل الوركين والفخذين. ولكن مع انقطاع الطمث، يحدث تغيير في مستويات الإستروجين مما يؤدي إلى تحول في توزيع الدهون، بحيث يصبح الجزء العلوي من الجسم أكثر عرضة لتراكم الدهون.

• هرمون الكورتيزول: يعرف الكورتيزول بهرمون الإجهاد، حيث تزداد إفرازه في حالات التوتر والإجهاد. من المعروف أن ارتفاع مستويات الكورتيزول يساهم في زيادة تراكم الدهون في مناطق مثل البطن العلوي والظهر، وقد يكون لهذا التراكم ارتباط مباشر بالسمنة في الجزء العلوي من الجسم. هذه الدهون التي تتراكم حول الخصر والأجزاء العلوية من الجسم تعرف باسم “الدهون الحشوية”، وهي من أنواع الدهون التي تكون مرتبطة بأمراض القلب والسكري.

• الأنسولين: يعزز الأنسولين تراكم الدهون في الجسم عندما تكون مستويات السكر في الدم مرتفعة بشكل مستمر. عند وجود مقاومة للأنسولين، يتراكم الدهون بشكل أكبر في الأجزاء العلوية من الجسم.

2. الوراثة والجينات

العوامل الوراثية تلعب دورًا مهمًا في توزيع الدهون في الجسم. فهناك أشخاص لديهم استعداد وراثي لتخزين الدهون في مناطق معينة مثل الجزء العلوي من الجسم. الدراسات الجينية أظهرت أن بعض الجينات تتأثر بتوزيع الدهون، مثل الجين المسؤول عن عملية الأيض والذي يؤثر على كيفية تخزين الدهون في الجسم. وبالنسبة للأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من السمنة في الجزء العلوي من الجسم، فإنهم قد يكونون أكثر عرضة لتطوير هذه الظاهرة.

3. نمط الحياة والتغذية

النظام الغذائي يلعب دورًا محوريًا في السمنة بشكل عام، ولا سيما في تراكم الدهون في الجزء العلوي من الجسم. نمط الحياة غير الصحي قد يساهم بشكل كبير في هذه الظاهرة. من العوامل المساهمة في ذلك:

• الإفراط في تناول السكريات والدهون المشبعة: الأطعمة الغنية بالسكريات البسيطة والدهون المشبعة يمكن أن تؤدي إلى تراكم الدهون في الجسم. التناول الزائد للأطعمة السريعة والمصنعة التي تحتوي على كميات كبيرة من هذه المكونات يمكن أن يزيد من خطر السمنة في الجزء العلوي من الجسم.

• قليل من النشاط البدني: الحياة الساكنة تعد أحد الأسباب البارزة للسمنة، حيث يؤدي قلة النشاط البدني إلى بطء في عملية الأيض مما يسهم في تراكم الدهون في أماكن معينة من الجسم، مثل الكتفين والبطن العلوي.

• استهلاك الكحول: الدراسات أظهرت أن تناول الكحول بكثرة يمكن أن يؤدي إلى تراكم الدهون في منطقة البطن العلوي، مما يسهم في زيادة حجم الكرش وظهور الدهون الحشوية. ويعتبر هذا النوع من الدهون أكثر ارتباطًا بالمشاكل الصحية.

4. التوتر والإجهاد النفسي

التعرض المستمر للضغوط النفسية والتوتر قد يكون له تأثير مباشر على السمنة في الجزء العلوي من الجسم. في أوقات التوتر، يفرز الجسم هرمون الكورتيزول بكميات كبيرة، مما يعزز تراكم الدهون في منطقة البطن العلوي. الأبحاث الطبية تشير إلى أن الأشخاص الذين يعانون من مستويات عالية من التوتر هم أكثر عرضة لتخزين الدهون في مناطق مثل المعدة والذراعين العلويين، حيث تُعرف هذه الظاهرة بـ “السمنة التوترية”. على المدى الطويل، يمكن أن تؤدي هذه العادة إلى ظهور مشكلات صحية إضافية مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.

5. التغيرات الهرمونية خلال الحمل وبعده

خلال فترة الحمل، يتغير توزيع الدهون في الجسم بشكل كبير نتيجة للتغيرات الهرمونية، وخاصة بسبب ارتفاع مستويات هرمون البروجيسترون. بعد الولادة، قد يعاني بعض النساء من تراكم الدهون في الجزء العلوي من الجسم نتيجة لزيادة الوزن أثناء الحمل وعدم القدرة على فقدانه في بعض الأحيان. رغم أن فترة ما بعد الحمل تعتبر فترة زمنية يتعين فيها على المرأة استعادة لياقتها البدنية، إلا أن تأثيرات التغيرات الهرمونية قد تجعل فقدان الدهون في الجزء العلوي أكثر صعوبة.

6. التقدم في العمر

مع تقدم العمر، يتغير نمط توزيع الدهون في الجسم بشكل طبيعي. عند الرجال، على سبيل المثال، مع تقدم العمر، يبدأ الجسم في تخزين الدهون في مناطق جديدة بما في ذلك الجزء العلوي من الجسم. وتعتبر الدهون الحشوية التي تتراكم حول البطن والصدر من أكثر أنواع الدهون التي قد تشكل تهديدًا للصحة العامة. بالنسبة للنساء، يصبح الجسم أكثر عرضة لتخزين الدهون في الجزء العلوي من الجسم بعد سن انقطاع الطمث بسبب انخفاض مستويات الإستروجين.

7. الأدوية والعلاج الدوائي

تعد بعض الأدوية سببًا آخر للسمنة في الجزء العلوي من الجسم. الأدوية التي تحتوي على كورتيكوستيرويدات، على سبيل المثال، تُستخدم في علاج العديد من الأمراض مثل التهاب المفاصل والربو، ولكنها قد تؤدي إلى زيادة الوزن وتراكم الدهون في الجزء العلوي من الجسم. بعض أدوية مضادات الاكتئاب وأدوية ضغط الدم أيضًا قد تسهم في هذا النوع من السمنة.

8. العوامل البيئية والاجتماعية

البيئة المحيطة والشبكات الاجتماعية يمكن أن تلعب دورًا في كيفية توزيع الدهون في الجسم. العيش في بيئة تشجع على تناول الأطعمة الغنية بالسكريات والدهون، مثل المجتمعات التي تشهد زيادة في استهلاك الوجبات السريعة، يمكن أن يؤدي إلى ظهور السمنة في مناطق معينة من الجسم. بالإضافة إلى ذلك، العوامل الاجتماعية مثل الضغوط الاجتماعية والمقارنات الجمالية يمكن أن تساهم في نمط حياة غير صحي يؤثر في تراكم الدهون في الجزء العلوي من الجسم.

9. أثر اضطرابات النوم على السمنة في الجزء العلوي من الجسم

دراسات عدة أظهرت أن اضطرابات النوم، مثل قلة النوم أو النوم المتقطع، يمكن أن تؤدي إلى زيادة الوزن، خاصة في الجزء العلوي من الجسم. فقد تبين أن الأشخاص الذين لا يحصلون على نوم كافٍ يعانون من تغيرات هرمونية تزيد من الشهية، مما يؤدي إلى تناول كميات أكبر من الطعام وبالتالي إلى تراكم الدهون في مناطق مثل البطن العلوي والذراعين.

الخلاصة

تعد السمنة في الجزء العلوي من الجسم نتيجة لعدة عوامل متشابكة تشمل التغيرات الهرمونية، العوامل الوراثية، نمط الحياة غير الصحي، التوتر النفسي، التغيرات الهرمونية المرتبطة بالحمل، والتقدم في العمر. إن فهم هذه العوامل يمكن أن يساعد الأفراد على اتخاذ خطوات فعّالة للتحكم في السمنة وتوزيع الدهون في الجسم بشكل أكثر توازنًا.