أسباب التهاب البول: دراسة معمقة في الأسباب والعوامل المؤثرة

يُعدّ التهاب البول أو ما يُعرف بالتهاب المسالك البولية (Urinary Tract Infection – UTI) من الحالات الصحية الشائعة التي تصيب الملايين من الأشخاص سنويًا حول العالم، ولا سيما النساء. يحدث هذا الالتهاب نتيجة إصابة أحد أجزاء الجهاز البولي بعدوى بكتيرية أو فيروسيّة أو فطرية في بعض الحالات النادرة، وقد يصيب أي جزء من المسالك البولية مثل الكليتين، الحالبين، المثانة أو الإحليل. وعلى الرغم من أن الأعراض قد تتفاوت من حالة إلى أخرى، إلا أن فهم الأسباب التي تؤدي إلى التهاب البول هو مفتاح الوقاية والعلاج الفعّال.

التركيب التشريحي للجهاز البولي وعلاقته بالتهاب البول

يتكوّن الجهاز البولي من الكليتين اللتين تعملان على تصفية الدم من الفضلات، والحالبين اللذين ينقلان البول من الكليتين إلى المثانة، والمثانة التي تجمع البول، وأخيرًا الإحليل الذي يُخرج البول من الجسم. ونظرًا لتقارب الإحليل من الفتحة الشرجية عند النساء، فإنهن أكثر عرضة للإصابة بالعدوى البكتيرية مقارنة بالرجال. هذا العامل التشريحي هو أحد الأسباب الأساسية التي تساهم في ارتفاع معدل الإصابة لدى الإناث.

الأسباب الجرثومية: العامل الأكثر شيوعًا

أكثر من 80% من حالات التهاب البول تنتج عن العدوى ببكتيريا الإيشيريشيا كولاي (E. coli)، وهي نوع من البكتيريا المعوية التي تعيش بشكل طبيعي في الجهاز الهضمي ولكن يمكن أن تنتقل إلى المسالك البولية، خاصة عند النساء، نتيجة ممارسات صحية غير مناسبة أو انتقال مباشر من فتحة الشرج إلى الإحليل.

أنواع البكتيريا المسببة لالتهاب البول

العوامل المتعلقة بالسلوكيات اليومية

تؤدي بعض العادات اليومية إلى زيادة خطر الإصابة بالتهاب البول دون أن يشعر الشخص بخطورتها. وتشمل هذه العوامل:

النظافة الشخصية السيئة

استخدام ورق التواليت بطريقة خاطئة من الخلف إلى الأمام يسهم في نقل البكتيريا من فتحة الشرج إلى الإحليل. كما أن ارتداء ملابس داخلية غير قطنية أو ضيقة يزيد من احتمالية تكاثر البكتيريا.

احتباس البول لفترات طويلة

تأخير التبول لفترات زمنية طويلة يؤدي إلى تراكم البول داخل المثانة، مما يوفر بيئة مثالية لنمو البكتيريا وتكاثرها.

الجفاف ونقص شرب الماء

قلة استهلاك السوائل والماء تؤدي إلى تقليل كمية البول التي تخرج من الجسم، مما يقلل من قدرة الجسم على طرد البكتيريا بشكل طبيعي، ويزيد من تركيز البول ويجعله بيئة حمضية تسهّل تكاثر البكتيريا.

العلاقة الجنسية

العلاقة الجنسية، خصوصًا عند النساء، تُعدّ من العوامل المحفزة لنقل البكتيريا إلى الإحليل بسبب الاحتكاك الميكانيكي، لذلك يُوصى بالتبول بعد العلاقة للمساعدة في طرد أي بكتيريا قد تكون دخلت إلى المسالك البولية.

الأسباب الصحية والمرَضية

إلى جانب العوامل السلوكية والبيئية، هناك مجموعة من الأمراض والحالات الصحية التي تزيد من احتمالية الإصابة بالتهاب البول:

مرض السكري

مرضى السكري معرضون لخطر أكبر بسبب ضعف الجهاز المناعي لديهم، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة السكر في البول الذي يعتبر وسطًا غذائيًا للبكتيريا.

الحمل

خلال الحمل، يؤدي التغير الهرموني إلى ارتخاء عضلات الحالب والمثانة، مما يؤدي إلى بطء تدفق البول واحتباسه، وهو ما يعزز احتمالية الإصابة بالعدوى.

حصى الكلى

تشكل الحصوات عائقًا أمام تدفق البول الطبيعي، وتُعتبر مركزًا ملائمًا لتراكم البكتيريا.

تضخم البروستاتا عند الرجال

في المراحل المتقدمة من العمر، يمكن لتضخم البروستاتا أن يعيق تدفق البول ويزيد من احتمالية الإصابة بالتهاب البول.

القسطرة البولية

يُعدّ استخدام القسطرة البولية لفترات طويلة أحد الأسباب الشائعة لحدوث العدوى، حيث تخلق القسطرة منفذًا مباشرًا لدخول البكتيريا إلى المثانة.

الأسباب المرتبطة بالعمر والجنس

عند الأطفال

التهاب البول عند الأطفال قد يكون ناتجًا عن تشوهات خلقية في المسالك البولية، أو عدم النظافة الشخصية، أو الإمساك المزمن الذي يزيد الضغط على المثانة ويُعيق الإفراغ الكامل.

عند النساء

بالإضافة إلى القصر النسبي للإحليل، فإن فترة ما بعد انقطاع الطمث تشهد انخفاضًا في مستويات الإستروجين، مما يؤدي إلى تغير في بيئة المهبل وزيادة القابلية للإصابة بالبكتيريا.

عند الرجال

نادراً ما يصيب التهاب البول الرجال في سن الشباب، ولكنه يصبح أكثر شيوعًا مع تقدم العمر نتيجة أمراض البروستاتا أو السكري أو استخدام القسطرة البولية.

المضاعفات المحتملة لعدم علاج التهاب البول

عدم علاج التهاب البول في الوقت المناسب قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة تشمل:

• العدوى الكلوية الحادة (Pyelonephritis): وهي عدوى خطيرة تصيب الكلى وقد تؤدي إلى تندّبها أو فشلها.

• الإنتان البولي (Urosepsis): وهي حالة مهددة للحياة تحدث عندما تنتشر البكتيريا من المسالك البولية إلى مجرى الدم.

• تكرار الالتهابات: قد تؤدي الالتهابات غير المعالجة إلى إصابة متكررة تُضعف جودة الحياة.

• الولادة المبكرة عند الحوامل المصابات بعدوى غير معالجة.

العوامل البيئية والمناخية

في البيئات الحارة والرطبة، يزداد التعرق وفقدان السوائل، مما يؤدي إلى تركيز البول، وبالتالي زيادة خطر تكاثر البكتيريا. كما أن السفر إلى مناطق ترتفع فيها معدلات التلوث أو عدم توفر المياه النظيفة قد يضاعف احتمالية الإصابة بعدوى المسالك البولية.

الأدوية المسببة أو المحفزة

بعض الأدوية قد تسبب تهيجًا في بطانة المثانة أو تغييرات في طبيعة البول، مما يزيد من فرص الإصابة، ومن بين هذه الأدوية:

• مضادات الحموضة المحتوية على المغنيسيوم

• بعض مدرات البول

• الأدوية الكابتة للمناعة

التوتر والضغط النفسي

يؤثر التوتر بشكل غير مباشر على الجهاز المناعي، مما يضعف قدرة الجسم على مقاومة البكتيريا. كما قد يؤدي إلى تغييرات سلوكية مثل قلة شرب الماء أو كثرة حبس البول، وهما عاملان يسهمان في الإصابة.

الجدول الشامل لأسباب التهاب البول

الخلاصة

إن التهاب البول لا يُعدّ مجرد حالة صحية بسيطة يمكن تجاهلها، بل هو انعكاس معقّد لتداخلات جرثومية، وسلوكية، وعضوية، وبيئية. الفهم العميق للأسباب المساهمة في حدوث هذا الالتهاب يُمكّن من اتخاذ التدابير الوقائية المناسبة، وتجنب المضاعفات الخطيرة التي قد تترتب عليه. إن النظافة الشخصية السليمة، شرب كميات كافية من الماء، علاج الأمراض المزمنة، والوعي بمخاطر بعض الأدوية والعادات، تمثل خط الدفاع الأول في الوقاية من التهاب البول.

المراجع:

1. Flores-Mireles AL, Walker JN, Caparon M, Hultgren SJ. “Urinary tract infections: epidemiology, mechanisms of infection and treatment options.” Nature Reviews Microbiology. 2015.

2. Mayo Clinic Staff. “Urinary tract infection (UTI)”. Mayo Clinic, www.mayoclinic.org.