أسباب التعرق المفاجئ وتأثيراته على الجسم

التعرق هو عملية طبيعية تحدث في الجسم بهدف تنظيم درجة حرارته والمحافظة على توازنه الداخلي، حيث تفرز الغدد العرقية السائل العرقي الذي يتبخر من سطح الجلد ليبرد الجسم ويمنع ارتفاع حرارته. مع ذلك، قد يلاحظ بعض الأشخاص حدوث التعرق المفاجئ، والذي يكون غير مرتبط بالجهد البدني أو الحرارة المحيطة، مما يثير القلق حول الأسباب المحتملة لهذه الظاهرة وتأثيرها على الصحة العامة. في هذا المقال سوف نتناول بشكل مفصل أسباب التعرق المفاجئ من الناحية الطبية والبيولوجية، إلى جانب العوامل المؤثرة التي قد تؤدي إلى هذا العرض، مع تسليط الضوء على الحالات المرضية التي قد تكون وراء هذه الظاهرة.

تعريف التعرق المفاجئ

التعرق المفاجئ هو تعرّق يحدث بصورة غير متوقعة وفجائية، دون وجود محفزات واضحة مثل النشاط البدني، ارتفاع درجة الحرارة، أو التوتر النفسي الشديد. يمكن أن يكون هذا التعرق في أماكن محددة من الجسم أو في جميع أجزائه، ويصاحبه أحياناً شعور بالرطوبة أو بلل الملابس، وفي حالات أخرى قد يكون مصحوباً برائحة عرق قوية.

يمكن للتعرق المفاجئ أن يحدث في أي وقت، سواء خلال النهار أو الليل، ويعد تعرق الليل من الظواهر التي تستدعي الانتباه لأنها قد تشير إلى مشاكل صحية تحتاج إلى التشخيص والعلاج.

آلية التعرق الطبيعية

الغدد العرقية توجد بكثرة في الجلد وتُصنف إلى نوعين رئيسيين: الغدد العرقية العادية (eccrine glands) والغدد العرقية العطرية (apocrine glands). الغدد العادية تنتشر في معظم مناطق الجسم وتفرز عرقاً شفافاً يحتوي على الماء والأملاح، وهي المسؤولة عن تنظيم حرارة الجسم. أما الغدد العطرية فتوجد في مناطق محددة مثل الإبطين والمنطقة التناسلية، وتفرز عرقاً يحتوي على مواد دهنية وبروتينات تتفاعل مع البكتيريا على الجلد محدثة الرائحة المميزة.

يتم التحكم في التعرق عبر الجهاز العصبي السمبثاوي الذي ينشط الغدد العرقية استجابة لمجموعة متنوعة من المؤثرات مثل الحرارة، النشاط البدني، التوتر، أو اضطرابات هرمونية.

أسباب التعرق المفاجئ

1. الأسباب الفسيولوجية الطبيعية

• ارتفاع درجة حرارة الجسم: في حالات ارتفاع الحرارة المحيطة أو الحمى الناتجة عن عدوى، يقوم الجسم بزيادة إفراز العرق بشكل مفاجئ كآلية لتبريد نفسه.

• التوتر والقلق: يمكن أن تؤدي الحالات النفسية مثل التوتر، القلق، أو نوبات الهلع إلى تحفيز الجهاز العصبي السمبثاوي وبالتالي زيادة التعرق المفاجئ.

• التغيرات الهرمونية: تؤثر تقلبات الهرمونات في فترات مثل سن اليأس، الحمل، أو فترة ما قبل الحيض، مما يسبب تعرقاً مفاجئاً وخاصة في الليل.

• ممارسة الرياضة أو نشاط بدني مفاجئ: قد يحدث تعرق مفاجئ نتيجة بداية نشاط بدني مفاجئ يؤدي إلى تحفيز الغدد العرقية.

2. الأسباب المرضية للتعرق المفاجئ

• العدوى والالتهابات: بعض أنواع العدوى الحادة والمزمنة مثل السل، التهابات المسالك البولية، التهاب العظام أو العدوى الفيروسية قد تسبب تعرقاً مفاجئاً وخاصة أثناء الليل.

• اضطرابات الغدة الدرقية: فرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism) يؤدي إلى زيادة عمليات الأيض في الجسم، وبالتالي التعرق المفاجئ نتيجة لارتفاع درجة حرارة الجسم.

• السرطان: بعض أنواع السرطان، وخاصة اللوكيميا واللمفوما، ترتبط بأعراض التعرق الليلي المفاجئ مع فقدان الوزن والحمى.

• اضطرابات الغدد الصماء: مثل الأورام التي تفرز الهرمونات (مثل ورم القواتم) والتي تسبب زيادة مفاجئة في التعرق مع ارتفاع ضغط الدم وتسارع ضربات القلب.

• داء السكري: انخفاض مستويات السكر في الدم (نقص السكر) يمكن أن يحفز التعرق المفاجئ كاستجابة للانخفاض المفاجئ في طاقة الجسم.

• الأمراض العصبية: بعض الأمراض العصبية مثل التصلب المتعدد أو إصابات الحبل الشوكي تؤثر على تنظيم الجهاز العصبي السمبثاوي وقد تؤدي إلى تعرق غير طبيعي.

• الأدوية والعقاقير: بعض الأدوية مثل مضادات الاكتئاب، أدوية خفض الحرارة، الأدوية الهرمونية، أو أدوية علاج ارتفاع ضغط الدم يمكن أن تسبب تعرقاً مفاجئاً كأحد الأعراض الجانبية.

• انقطاع النفس أثناء النوم: هذه الحالة تسبب نوبات من الاستيقاظ المصحوب بالتعرق الليلي المفاجئ بسبب اضطراب التنفس.

3. أسباب أخرى

• تناول الكحول أو الكافيين: قد يؤدي تناول كميات كبيرة من المشروبات التي تحتوي على الكافيين أو الكحول إلى تحفيز التعرق المفاجئ.

• تناول بعض الأطعمة الحارة: مثل الفلفل الحار والثوم، حيث تؤثر على مستقبلات الحرارة في الجلد وتزيد من إفراز العرق.

• التدخين: النيكوتين يحفز الجهاز العصبي السمبثاوي ويزيد من التعرق.

التعرق المفاجئ في فئات عمرية معينة

• الأطفال: قد يعاني الأطفال من التعرق المفاجئ بسبب العدوى أو فرط نشاط الغدة الدرقية أو اضطرابات النمو.

• المسنون: تزداد احتمالية حدوث التعرق المفاجئ عند كبار السن نتيجة لتغيرات في الجهاز العصبي والهرموني، وكذلك بسبب الأمراض المزمنة.

التأثيرات الصحية للتعرق المفاجئ

التعرق المفاجئ قد يكون مصدر إزعاج نفسي واجتماعي، خصوصاً إذا كان مفرطاً ومصحوباً برائحة قوية، كما أنه قد يؤدي إلى:

• جفاف الجسم: فقدان كميات كبيرة من الماء والأملاح المعدنية، مما يؤثر على توازن السوائل في الجسم.

• تهيج الجلد: الرطوبة المستمرة قد تسبب التهابات جلدية أو حساسية.

• تغيرات نفسية: الإحراج والتوتر بسبب التعرق المفرط يمكن أن يؤثران على جودة الحياة.

تشخيص التعرق المفاجئ

يعتمد التشخيص على تقييم شامل يشمل:

• أخذ التاريخ الطبي كاملاً مع التركيز على وجود أعراض أخرى مثل الحمى، فقدان الوزن، تغيرات في الشهية أو المزاج.

• الفحص السريري لتقييم علامات الأمراض المصاحبة.

• تحاليل الدم لفحص وظائف الغدة الدرقية، نسبة السكر، مؤشرات العدوى، ومستويات الهرمونات.

• في بعض الحالات قد يحتاج الطبيب إلى تصوير بالأشعة أو فحوصات خاصة للكشف عن الأورام أو أمراض الجهاز العصبي.

العلاج والوقاية

علاج التعرق المفاجئ يرتبط بالسبب الكامن وراءه، ففي الحالات الفسيولوجية يتم عادة التحكم في الأسباب مثل تخفيف التوتر أو ضبط الهرمونات. أما في الحالات المرضية فيتطلب العلاج الموجه للمشكلة الأساسية مثل:

• علاج الالتهابات بالمضادات الحيوية أو الأدوية المناسبة.

• تنظيم اضطرابات الغدة الدرقية بالهرمونات.

• علاج السرطان أو الأورام بالجراحة أو العلاج الكيميائي أو الإشعاعي.

• تعديل الأدوية المسببة للتعرق المفاجئ.

• ضبط مستوى السكر في الدم في مرضى السكري.

إجراءات داعمة للحد من التعرق المفاجئ

• ارتداء ملابس قطنية خفيفة تسمح بتهوية الجلد.

• استخدام مضادات التعرق الطبية التي تحتوي على مركبات الألمنيوم.

• تجنب الأطعمة والمشروبات التي تحفز التعرق.

• المحافظة على الترطيب بشرب كميات كافية من الماء.

• تنظيم نمط الحياة والحد من التوتر النفسي.

جدول يوضح بعض الأسباب الشائعة للتعرق المفاجئ مع خصائصها

الخلاصة

التعرق المفاجئ هو عرض يمكن أن يكون نتيجة لعدة عوامل فسيولوجية طبيعية أو دلائل على وجود أمراض مزمنة أو خطيرة. الفهم الدقيق للأسباب الكامنة وراء هذا التعرق مهم جداً لتحديد خطة العلاج المناسبة والوقاية من مضاعفاته. المتابعة الطبية اللازمة وإجراء الفحوصات الضرورية تساهم في التشخيص المبكر والعلاج الفعال، مما يحسن نوعية حياة الأشخاص الذين يعانون من هذه المشكلة. الحفاظ على نمط حياة صحي ومتوازن يساعد أيضاً في الحد من حدوث التعرق المفاجئ وتحسين التوازن الهرموني والنفسي.

المراجع:

1. Kumar, V., Abbas, A. K., & Aster, J. C. (2018). Robbins Basic Pathology (10th Edition). Elsevier.

2. Jameson, J. L., Fauci, A. S., Kasper, D. L., Hauser, S. L., & Loscalzo, J. (2018). Harrison’s Principles of Internal Medicine (20th Edition). McGraw-Hill Education.