لماذا تنخفض إنتاجية العاملين وما الذي يمكن للموارد البشرية فعله؟
تُعدُّ الإنتاجية من أهم المؤشرات التي تُحدد فعالية وكفاءة أي مؤسسة أو شركة. فهي لا تتعلق فقط بكمية العمل المنجز، بل أيضًا بجودة هذا العمل وتأثيره على الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة. في المقابل، تواجه العديد من المؤسسات مشكلة انخفاض الإنتاجية بين العاملين، ما يؤثر بشكل سلبي على الأرباح والنمو. وقد يكون ذلك نتيجة لعوامل متعددة، منها الظروف الداخلية والخارجية، كالإدارة غير الفعّالة، والتحديات النفسية والاجتماعية، وضعف التحفيز. وفي هذا المقال، سنتناول الأسباب التي تؤدي إلى انخفاض إنتاجية العاملين، كما سنستعرض ما يمكن أن تفعله إدارة الموارد البشرية لمواجهة هذه المشكلة وتحسين الإنتاجية بشكل مستدام.
أسباب انخفاض إنتاجية العاملين
1. ضعف القيادة والإدارة
أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض إنتاجية العاملين يكمن في ضعف القيادة والإدارة داخل المؤسسة. عندما لا يُحسن القائد توجيه موظفيه، أو عندما تفتقر الإدارة إلى الرؤية الاستراتيجية والقدرة على التحفيز، ينشأ شعور بالإحباط بين العاملين. القادة غير المؤهلين قد يفتقرون إلى مهارات اتخاذ القرارات المناسبة أو عدم الاهتمام بتنمية مهارات فرقهم، مما يؤثر على أداء الموظفين.
القيادة غير الفعّالة يمكن أن تؤدي إلى بيئة عمل غير مشجعة، حيث يشعر الموظفون بعدم التقدير أو أنهم لا يُسمعون بشكل صحيح. وفي هذا السياق، يتأثر الحافز الشخصي والإنتاجية العامة بشكل كبير.
2. بيئة العمل غير الملائمة
تلعب بيئة العمل دورًا أساسيًا في تعزيز أو تقليص إنتاجية العاملين. بيئة العمل التي تفتقر إلى العوامل المحفزة، مثل المساحات المنظمة، والإضاءة المناسبة، والراحة النفسية، تؤدي إلى تقليل الحافز للعمل.
الضوضاء العالية، الإضاءة السيئة، وظروف العمل غير المريحة يمكن أن تسبب توترًا للموظفين وتشتت انتباههم، ما ينعكس سلبًا على قدرتهم على التركيز وإنجاز المهام بفعالية. كما أن بيئات العمل التي تفتقر إلى التنوع والشمولية قد تجعل الموظفين يشعرون بالعزلة أو التهميش، وهو ما يؤثر على إنتاجيتهم بشكل مباشر.
3. غياب التحفيز والتقدير
التقدير المستمر للموظفين له تأثير كبير في تعزيز الإنتاجية. الموظفون الذين يشعرون بأن جهودهم لا تجد تقديرًا مناسبًا يكون لديهم دافع أقل للعمل بكفاءة عالية. عندما لا يتم تقديم مكافآت مناسبة أو حتى اعتراف بالإنجازات، يمكن أن يفقد الموظف شعوره بالانتماء والرغبة في تحسين الأداء.
قد يكون التحفيز ماديًا أو معنويًا، مثل التقدير العلني أمام الزملاء أو توفير الفرص للنمو الشخصي والمهني. غياب هذه العوامل يمكن أن يخلق شعورًا بالركود وفقدان الحافز، مما يؤدي إلى انخفاض في الإنتاجية.
4. التحديات النفسية والإجهاد
الإجهاد النفسي والضغوطات النفسية من العوامل المهمة التي تؤثر على الإنتاجية. لا شك أن بيئة العمل الحديثة، التي تزدحم بالمتطلبات والمواعيد النهائية، تزيد من مستويات التوتر لدى العاملين. هذا الإجهاد يمكن أن يتسبب في تراجع الأداء الذهني والجسدي، مما يؤدي إلى عدم القدرة على التركيز أو اتخاذ قرارات صحيحة.
إضافة إلى ذلك، قد يشعر الموظفون بالإرهاق من خلال التعامل مع التحديات الشخصية في حياتهم، مثل المشاكل العائلية أو المالية، مما يؤثر على قدرتهم على التركيز والانخراط بشكل كامل في العمل.
5. نقص المهارات والتدريب
من الأسباب الشائعة لانخفاض الإنتاجية هو نقص التدريب المناسب للموظفين. في كثير من الأحيان، يكون الموظفون غير مجهزين بالمهارات اللازمة لأداء مهامهم بكفاءة. إذا كانت المؤسسة لا تستثمر بشكل كافٍ في تدريب موظفيها وتطوير مهاراتهم، فإن هذا يؤدي إلى تراجع الإنتاجية.
الموظف الذي لا يعرف كيفية استخدام الأدوات أو التكنولوجيا الحديثة سيضطر إلى بذل جهد أكبر لإنجاز مهامه، وهو ما يؤثر على كفاءته في العمل.
6. القلق من التغيير وعدم الاستقرار الوظيفي
الخوف من التغيير وعدم الاستقرار الوظيفي قد يكونان من العوامل المؤثرة في انخفاض الإنتاجية. عندما يشعر الموظفون بعدم الأمان في وظائفهم أو عندما يحدث تغيير غير متوقع في سياسات الشركة، قد يؤدي ذلك إلى ضعف الدافعية والأداء العام. القلق بشأن المستقبل المهني قد يؤدي إلى تراجع الاهتمام بالعمل والتركيز على القضايا الشخصية.
ما الذي يمكن للموارد البشرية فعله؟
1. تحسين ثقافة القيادة والإدارة
إدارة الموارد البشرية يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تطوير الثقافة القيادية داخل المؤسسة. يجب أن تعمل الموارد البشرية على توفير برامج تدريبية للقادة والمديرين لتعزيز مهاراتهم في القيادة والإدارة. هذه البرامج يجب أن تركز على كيفية تحسين التواصل مع الموظفين، تعزيز الشفافية، واتخاذ قرارات فعّالة تدعم التحفيز وتوفير بيئة عمل إيجابية.
علاوة على ذلك، يمكن توفير ملاحظات دورية للقادة عن أدائهم وكيفية تأثيرهم على فرقهم. تطبيق مفهوم “القيادة بالخدمة” يمكن أن يعزز من العلاقات بين الموظفين وقادتهم، مما يؤدي إلى تحسين بيئة العمل وزيادة إنتاجية الفريق.
2. تحسين بيئة العمل
على قسم الموارد البشرية تحسين بيئة العمل بما يتناسب مع احتياجات الموظفين. من خلال استثمارات بسيطة، مثل توفير مساحات للعمل المريحة والمناسبة، إلى توفير تقنيات وأدوات تسهل العمل، يمكن تحسين الإنتاجية بشكل كبير. توفير فرص العمل عن بُعد أو جدول عمل مرن يمكن أن يكون له تأثير إيجابي أيضًا، حيث يعزز التوازن بين الحياة المهنية والشخصية.
3. تقديم التحفيز والتقدير بشكل مستمر
يجب أن تعمل إدارة الموارد البشرية على تطوير برامج تحفيزية وتقديرية تحفز الموظفين على تقديم أفضل ما لديهم. هذه البرامج يمكن أن تتضمن مكافآت مالية أو معنوية، مثل “موظف الشهر”، والتقدير العام للأداء المتميز، أو برامج تطوير مهني تعزز من شعور الموظف بالإنجاز والنمو.
التقدير لا يعني دائمًا مكافآت مالية، بل يمكن أن يكون من خلال الاعتراف بإنجازات الموظف في الاجتماعات أو توفير فرص للتطور المهني.
4. التعامل مع الإجهاد النفسي والضغط
يمكن لإدارة الموارد البشرية تنظيم ورش عمل وبرامج تركز على الصحة النفسية والرفاهية الشخصية للموظفين. توفير جلسات استشارات نفسية أو تطوير برامج تهدف إلى تقليل مستويات التوتر من خلال تقنيات التنفس أو اليوغا يمكن أن يساهم في تقليل الضغط النفسي.
علاوة على ذلك، يجب أن تكون هناك سياسات مرنة فيما يتعلق بالإجازات والراحة الشخصية، لتساعد الموظفين على الحفاظ على صحتهم النفسية والبدنية.
5. توفير فرص التدريب والتطوير
إحدى الاستراتيجيات الفعّالة لزيادة الإنتاجية هي توفير الفرص لتدريب الموظفين وتطوير مهاراتهم بشكل مستمر. يمكن أن تتعاون إدارة الموارد البشرية مع الإدارات المختلفة لتحديد المهارات اللازمة للموظفين وتوفير برامج تدريب متخصصة وفقًا لذلك.
التدريب المستمر يساهم في زيادة كفاءة الموظفين، مما يؤدي إلى تحسين أدائهم وإنتاجيتهم. من خلال تقديم تدريب في مجالات متعددة، يمكن للموارد البشرية أن تساعد الموظفين على تطوير مهاراتهم بما يتماشى مع تطور السوق وتكنولوجيا الأعمال.
6. تعزيز الشعور بالأمان الوظيفي
إحدى الطرق التي يمكن أن تسهم بها الموارد البشرية في تحسين الإنتاجية هي من خلال تعزيز الأمان الوظيفي. يجب على الموارد البشرية أن تخلق بيئة يشعر فيها الموظفون بالاستقرار المهني. تقديم برامج واضحة لدعم المسار المهني وتحقيق التوازن بين العمل والحياة يساهم في تعزيز شعور الموظفين بالراحة النفسية والأمان، وبالتالي تحسين أدائهم الوظيفي.
خاتمة
تحسين إنتاجية العاملين يتطلب استراتيجية شاملة تجمع بين تحسين القيادة، بيئة العمل، التقدير والتحفيز، وموارد التدريب والدعم النفسي. يمكن لإدارة الموارد البشرية أن تلعب دورًا حاسمًا في معالجة هذه القضايا من خلال تنفيذ برامج فعّالة تتناسب مع احتياجات الموظفين. بناءً على هذه الجهود، ستتمكن المؤسسات من تعزيز إنتاجيتها وزيادة رضا موظفيها، مما يعزز من استقرار الشركة ونموها المستدام في المستقبل.
