أسباب الأرق الليلي

أسباب الأرق الليلي

يُعد الأرق الليلي من أبرز اضطرابات النوم التي تؤثر على جودة الحياة والصحة العامة للإنسان. وتتنوع أسباب عدم القدرة على النوم ليلاً بين العوامل النفسية، والعضوية، والسلوكية، والبيئية، وقد تتفاعل هذه العوامل فيما بينها لتكوّن نمطاً معقداً من الأرق يصعب أحياناً تشخيصه أو معالجته بسهولة. تتجلى مظاهر الأرق في صعوبة الاستغراق في النوم، أو الاستيقاظ المتكرر أثناء الليل، أو الاستيقاظ المبكر وعدم القدرة على العودة للنوم، مما يؤدي إلى الشعور بالإرهاق خلال النهار، وانخفاض التركيز، وزيادة التوتر، والتأثير السلبي على الأداء الذهني والجسدي.

العوامل النفسية

تشكل الاضطرابات النفسية أحد الأسباب الرئيسية لعدم النوم ليلاً، وتتمثل هذه الأسباب فيما يلي:

1. القلق والتوتر النفسي

يشكل القلق المزمن والتوتر المستمر أرضاً خصبة لظهور الأرق. فعندما يشعر الإنسان بالقلق من مشكلات العمل، أو الأسرة، أو الصحة، فإن العقل يظل في حالة نشاط مفرط تمنعه من الاسترخاء والدخول في حالة النوم. كما أن التفكير الزائد والخوف من المستقبل يؤديان إلى اضطراب الجهاز العصبي، وارتفاع مستويات هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، ما يعيق إفراز الميلاتونين، الهرمون المسؤول عن تنظيم النوم.

2. الاكتئاب

يرتبط الاكتئاب ارتباطاً وثيقاً باضطرابات النوم، بل يُعتبر الأرق أحد أهم أعراض الاكتئاب الإكلينيكي. فالمصاب بالاكتئاب يعاني غالباً من صعوبة في النوم ليلاً، ويستيقظ في ساعات الصباح الأولى دون القدرة على العودة للنوم. ويترافق ذلك مع فقدان الشهية، وانخفاض النشاط، والشعور بالفراغ أو الحزن العميق.

3. اضطراب ما بعد الصدمة

الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات نفسية عنيفة، كالحروب أو الاعتداءات أو الكوارث، قد يعانون من كوابيس متكررة وقلق ليلي يمنعهم من النوم، وتُعرف هذه الحالة بـ “اضطراب ما بعد الصدمة” الذي يُصنف كأحد اضطرابات القلق الشديدة.

العوامل الجسدية والطبية

تلعب المشكلات الصحية دوراً محورياً في تعطيل النوم الليلي، ومن أبرز هذه الأسباب:

1. الألم المزمن

تشكل الآلام المزمنة، كآلام المفاصل أو الظهر أو الصداع النصفي، عائقاً أمام النوم، إذ يجد المريض صعوبة في الاسترخاء أو البقاء في وضعية مريحة لفترة طويلة، مما يؤدي إلى الاستيقاظ المتكرر أثناء الليل.

2. اضطرابات الجهاز التنفسي

مثل انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، أو الربو الليلي، أو احتقان الأنف نتيجة التحسس أو الزكام، حيث تؤدي هذه الحالات إلى تقطع التنفس ليلاً، والشعور بالاختناق أو السعال المستمر، مما يعيق الاستغراق في النوم.

3. فرط نشاط الغدة الدرقية

يؤدي فرط إفراز هرمونات الغدة الدرقية إلى تسارع في معدل ضربات القلب، وارتفاع حرارة الجسم، وزيادة النشاط العصبي، وكلها عوامل تجعل من الصعب النوم بعمق.

4. الحمل ومراحله المختلفة

خلال الحمل، تمر المرأة بتغيرات هرمونية وبدنية عديدة قد تسبب لها الأرق الليلي، خصوصاً في الثلث الثالث من الحمل حيث يزداد ضغط الجنين على المثانة والمعدة، وتكثر حركة الجنين ليلاً.

العوامل السلوكية

تؤدي أنماط الحياة غير الصحية والعادات اليومية إلى خلل كبير في الساعة البيولوجية، ومن أبرز العوامل السلوكية المؤثرة:

1. تناول الكافيين والنيكوتين

يُعتبر الكافيين الموجود في القهوة والشاي ومشروبات الطاقة، بالإضافة إلى النيكوتين في السجائر، من المنبهات التي تُحفّز الجهاز العصبي وتقلل من الرغبة في النوم. وتظهر هذه التأثيرات بوضوح عند استهلاك هذه المواد في المساء أو قبل النوم بساعات قليلة.

2. استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم

الضوء الأزرق المنبعث من شاشات الهواتف الذكية والحواسيب والتلفاز يثبط إفراز الميلاتونين، مما يؤدي إلى تأخير النوم واضطرابه. كما أن التفاعل مع المحتوى الرقمي يُبقي العقل في حالة نشاط ويؤخر الاسترخاء الذهني.

3. النوم خلال النهار

القيلولة الطويلة أو النوم في ساعات متأخرة من النهار يؤدي إلى تقليل الحاجة للنوم ليلاً، ويُسبب اضطراباً في الإيقاع اليومي للنوم واليقظة.

4. الإفراط في تناول الطعام ليلاً

تناول وجبات ثقيلة أو دسمة قبل النوم مباشرة يُرهق الجهاز الهضمي ويزيد من إفراز الأحماض المعدية، مما يؤدي إلى الشعور بالامتلاء أو الحموضة أو الغثيان، وكلها تُعيق النوم.

العوامل البيئية

تلعب البيئة المحيطة بالفرد دوراً حاسماً في مدى سهولة الدخول في النوم واستمراريته:

1. الضوضاء

الأصوات المرتفعة أو المفاجئة – سواء كانت من الشارع أو الأجهزة المنزلية أو حتى الشريك – تؤدي إلى تنشيط الدماغ وإيقاظ الشخص من النوم أو منعه من الاستغراق فيه.

2. الإضاءة

الإضاءة القوية أو حتى الخافتة التي تتخلل الغرفة قد تؤثر على إفراز الميلاتونين وتُقلّل من جودة النوم. يفضل دائماً النوم في غرفة مظلمة أو باستخدام قناع للعينين.

3. درجة الحرارة

درجات الحرارة المرتفعة أو المنخفضة جداً تُسبب إزعاجاً كبيراً أثناء النوم، حيث يصعب على الجسم تنظيم حرارته الداخلية، ما يؤدي إلى الاستيقاظ المتكرر.

العوامل الهرمونية

تُعد التغيرات الهرمونية من الأسباب الجوهرية لعدم النوم ليلاً، وخصوصاً لدى النساء:

1. الدورة الشهرية

تُحدث الدورة الشهرية اضطرابات هرمونية تؤثر على المزاج، والشهية، والنوم. وقد تعاني بعض النساء من الأرق الليلي قبل نزول الدورة بأيام نتيجة التقلبات في مستويات الإستروجين والبروجستيرون.

2. سن اليأس

في مرحلة انقطاع الطمث، تعاني المرأة من انخفاض كبير في الهرمونات الأنثوية، مما يؤدي إلى التعرق الليلي، والهبات الساخنة، واضطراب النوم، وهو ما يُعد من أبرز تحديات هذه المرحلة العمرية.

العوامل الدوائية

بعض الأدوية قد تؤدي إلى اضطرابات في النوم، خاصة إذا تم تناولها في المساء أو كانت تؤثر على الجهاز العصبي:

• مضادات الاكتئاب من نوع SSRI.

• أدوية علاج ارتفاع ضغط الدم مثل مدرات البول.

• أدوية الربو التي تحتوي على موسعات الشعب الهوائية.

• أدوية التنحيف التي تحتوي على منشطات.

ينبغي على المرضى مراجعة الطبيب المختص في حال ملاحظة ارتباط بين تناول الدواء وحدوث الأرق.

الأرق الناتج عن تغير الروتين

قد يُصاب الإنسان بالأرق نتيجة تغير مفاجئ في جدول النوم المعتاد أو روتين الحياة اليومي، مثل:

• السفر إلى مناطق مختلفة التوقيت (Jet lag).

• العمل بنظام المناوبات الليلية.

• الانتقال إلى منزل جديد.

• الخضوع لفترات امتحانات أو ضغط وظيفي.

جدول توضيحي لأبرز أسباب عدم النوم ليلاً وتأثيرها

خاتمة

يُعتبر الأرق الليلي من الحالات التي تستدعي فهماً عميقاً وشاملاً لتحديد السبب الجذري وعلاجه بشكل فعال. وفي ظل تعقّد أسباب عدم النوم وتداخلها، فإن التعاطي مع هذه المشكلة ينبغي أن يكون قائماً على نهج علمي يجمع بين العناية النفسية، والعلاج الطبي، وتحسين نمط الحياة. إن القدرة على النوم ليلاً ليست مجرد حاجة بيولوجية، بل هي ضرورة حيوية لصحة الإنسان الجسدية والنفسية على حد سواء.

المراجع:

1. American Academy of Sleep Medicine (AASM)

2. National Sleep Foundation