البوليميا: أسباب وعلاج الشره المرضي

البوليميا (الشره المرضي): اضطراب الأكل وأبعاده النفسية والجسدية

تعتبر البوليميا أو الشره المرضي أحد اضطرابات الأكل الخطيرة التي تؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية والجسدية للأفراد الذين يعانون منها. هذا الاضطراب يتسم بنوبات متكررة من الإفراط في تناول الطعام، تليها محاولات مكثفة للتخلص من الطعام الزائد من خلال أساليب غير صحية مثل التقيؤ القسري، أو استخدام الأدوية الملينة، أو ممارسة التمارين الرياضية بشكل مفرط. غالبًا ما يرتبط هذا الاضطراب بعوامل نفسية مثل القلق والاكتئاب، بالإضافة إلى عوامل اجتماعية وثقافية قد تساهم في انتشاره. في هذا المقال، سنغوص في مفهوم البوليميا، أسبابه، أعراضه، تأثيراته على الجسم والعقل، طرق العلاج والوقاية، والتحديات التي يواجهها المرضى في التعامل مع هذا الاضطراب.

تعريف البوليميا (الشره المرضي)

البوليميا، أو الشره المرضي، هو اضطراب في الأكل يتسم بنوبات من الإفراط في تناول الطعام يتبعها سلوكيات للتخلص من الطعام الزائد. يُعرف هذا الاضطراب غالبًا بالمصطلحات الشائعة مثل “الشره المرضي” أو “البوليميا العصبية”. يعتمد المرضى في هذه الحالة على أساليب غير صحية مثل القيء المتعمد أو استخدام الأدوية الملينة أو التمرينات المفرطة لمحاولة السيطرة على وزنهم أو تعويض ما تم تناوله.

أسباب البوليميا (الشره المرضي)

تتعدد الأسباب التي قد تساهم في تطوير البوليميا، وغالبًا ما تكون مزيجًا من العوامل البيولوجية، النفسية، والاجتماعية. من أبرز هذه الأسباب:

1. العوامل النفسية:

يعد القلق والاكتئاب من العوامل النفسية الرئيسية التي تساهم في نشوء هذا الاضطراب. يعاني العديد من المصابين بالبوليميا من مشاعر القلق المستمر والتوتر، مما يدفعهم إلى اللجوء إلى الطعام كوسيلة للتعامل مع هذه المشاعر السلبية. كما أن الشعور بالذنب بعد تناول الطعام قد يؤدي إلى محاولات لإلغاء هذه الوجبة من خلال القيء أو الإفراط في التمارين الرياضية.

2. العوامل البيولوجية:

تشير الأبحاث إلى أن هناك عوامل بيولوجية قد تلعب دورًا في تطور البوليميا. من المحتمل أن يكون هناك خلل في كيمياء الدماغ، خاصة في المناطق المرتبطة بالتحكم في الشهية والمكافأة. كما قد يساهم الوراثة في زيادة احتمالية الإصابة بالبوليميا، حيث إن الأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي مع اضطرابات الأكل قد يكونون أكثر عرضة لهذا الاضطراب.

3. العوامل الاجتماعية والثقافية:

تؤثر المعايير الاجتماعية والثقافية التي تروج لمفاهيم الجمال النحيف في زيادة القلق بشأن الوزن والشكل الجسدي، مما يؤدي إلى محاولة العديد من الأفراد، خاصة النساء، إلى اتباع سلوكيات غير صحية لتحقيق هذه المعايير. قد تسهم وسائل الإعلام والإعلانات في تعزيز صورة الجسد المثالي، مما يزيد من الضغط الاجتماعي على الأفراد ويزيد من خطر الإصابة بالبوليميا.

4. العوامل البيئية:

تؤثر البيئة المحيطة بالفرد بشكل كبير على سلوكه الغذائي. في بعض الأحيان، قد يؤدي التعرض لأحداث مؤلمة أو مواقف حياتية صعبة مثل الطلاق أو وفاة شخص مقرب أو التعرض للإساءة إلى تزايد المخاوف النفسية، مما قد يتسبب في اضطرابات الأكل مثل البوليميا.

أعراض البوليميا (الشره المرضي)

تتعدد أعراض البوليميا بشكل كبير، وقد لا تكون دائمًا واضحة للآخرين نظرًا للطبيعة السرية للاضطراب. لكن هناك بعض العلامات التي يمكن أن تشير إلى احتمال الإصابة بالشره المرضي، وهي:

1. نوبات الإفراط في تناول الطعام:

يبدأ المصاب بالبوليميا بتناول كميات كبيرة من الطعام خلال فترة زمنية قصيرة، وعادة ما يترافق مع شعور بالانفصال أو فقدان السيطرة. قد تشمل الأطعمة التي يتم تناولها كميات ضخمة من الوجبات السريعة أو الحلويات أو الوجبات الدسمة.

2. أساليب التخلص من الطعام:

بعد نوبات الإفراط في تناول الطعام، يقوم الأشخاص المصابون بالبوليميا بتطبيق سلوكيات غير صحية للتخلص من الطعام الزائد، مثل التقيؤ القسري، أو تناول أدوية ملينة أو مدرات البول، أو ممارسة التمارين الرياضية بشكل مفرط.

3. مشاعر القلق والذنب:

يشعر المريض بالذنب الشديد بعد تناول الطعام، خاصة إذا كانت الكميات كبيرة. هذا الذنب يدفعه إلى اتخاذ خطوات قاسية للتخلص من الطعام الزائد، وفي بعض الحالات قد يؤدي إلى تفاقم الحالة النفسية مثل القلق والاكتئاب.

4. التقلبات الحادة في الوزن:

قد يعاني المرضى المصابون بالبوليميا من تقلبات سريعة في الوزن بسبب محاولاتهم المستمرة للتخلص من الطعام الزائد. قد يلاحظ البعض زيادات مفاجئة في الوزن بسبب الإفراط في الأكل، تليها انخفاضات حادة نتيجة لمحاولات التخلص من الطعام.

5. انقطاع الطمث:

من بين الأعراض الجسدية التي قد ترتبط بالشره المرضي هو انقطاع الدورة الشهرية لدى النساء، وهو ما يحدث بسبب التغيرات الهرمونية الناتجة عن اضطرابات التغذية.

التأثيرات النفسية والجسدية للبوليميا

1. التأثيرات النفسية:

البوليميا تؤثر بشكل عميق على الصحة النفسية للفرد. يعاني المصابون بهذا الاضطراب من مشاعر عميقة من الذنب والعار، وقد يصابون بالاكتئاب والقلق المفرط. قد تؤدي هذه المشاعر إلى زيادة الانعزال الاجتماعي، وهو ما يزيد من تعقيد الحالة ويصعب معالجتها. كما أن الإصابة بالبوليميا قد تؤدي إلى صعوبة في الحفاظ على العلاقات الاجتماعية والعائلية بسبب السلوكيات غير الصحية والشعور بالعار المصاحب لهذه الحالة.

2. التأثيرات الجسدية:

تعتبر البوليميا أحد أخطر اضطرابات الأكل من الناحية الجسدية. تتسبب السلوكيات القسرية مثل القيء المتكرر في تدمير الأسنان بسبب تأثير الأحماض التي يفرزها المعدة. بالإضافة إلى ذلك، يتعرض المريض لخطر التسمم بالمواد الكيميائية المستخدمة في أدوية الملينات، مما يؤدي إلى اضطراب في التوازن الكهربائي في الجسم. من أبرز التأثيرات الجسدية الأخرى:

• اضطرابات في الجهاز الهضمي مثل الإمساك المزمن أو الإسهال.

• تآكل الأسنان وضعف اللثة.

• زيادة خطر الإصابة بتشوهات في الكلى والمثانة.

• انخفاض كثافة العظام بسبب نقص المغذيات الأساسية.

• نقص العناصر الغذائية مثل الفيتامينات والمعادن.

علاج البوليميا (الشره المرضي)

يعد علاج البوليميا عملية معقدة تتطلب تدخلًا طبيًا متعدد الجوانب يشمل العلاج النفسي والطبي والغذائي. من أهم جوانب العلاج:

1. العلاج النفسي:

يعد العلاج السلوكي المعرفي (CBT) هو الأسلوب الأكثر فاعلية في علاج البوليميا. يساعد هذا العلاج المريض على التعرف على الأفكار والسلوكيات غير الصحية التي تؤدي إلى الاضطراب، ويعمل على تغيير هذه الأنماط السلوكية.

2. العلاج الطبي:

يتطلب علاج البوليميا إشرافًا طبيًا دقيقًا، وخاصة في الحالات التي يعاني فيها المريض من مشاكل جسدية خطيرة مثل نقص الوزن الحاد أو مشكلات صحية مرتبطة بالجهاز الهضمي أو التوازن الكهربائي. قد يشمل العلاج الطبي وصف أدوية مضادة للاكتئاب أو أدوية لتنظيم الشهية.

3. العلاج الغذائي:

يلعب اختصاصي التغذية دورًا مهمًا في علاج البوليميا، حيث يعمل مع المريض على إعادة التوازن الغذائي وتوجيهه نحو تناول وجبات صحية ومتوازنة. الهدف هو مساعدة المريض على بناء علاقة صحية مع الطعام دون اللجوء إلى الإفراط أو التقيؤ.

4. الدعم الاجتماعي:

من المهم أن يحصل المريض على الدعم العاطفي من العائلة والأصدقاء. في بعض الحالات، قد يكون الانضمام إلى مجموعات دعم ذات صلة مفيدًا لتبادل الخبرات والتعامل مع التحديات المشتركة.

خاتمة

البوليميا، أو الشره المرضي، ليس مجرد اضطراب غذائي، بل هو مشكلة نفسية عميقة تؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية للمريض. بينما يمكن أن يكون هذا الاضطراب مدمرًا، فإن العلاج المبكر والشامل يمكن أن يساعد الأفراد في التغلب عليه والعودة إلى حياة صحية ومتوازنة. من خلال الاهتمام بالعوامل النفسية والجسدية، يمكن للأفراد المصابين بالبوليميا استعادة صحتهم النفسية والجسدية، وتحقيق تحسن دائم في نوعية حياتهم.