فضائل يوم العيد

فضائل يوم العيد

يوم العيد في الإسلام ليس مجرد مناسبة احتفالية عابرة أو يوم تقليدي تتكرر فيه المظاهر السنوية، بل هو يوم عظيم تجتمع فيه أبعاد العبودية لله تعالى مع قيم الفرح المشروع، والرحمة، والتكافل، وتجديد الروابط الاجتماعية والأسرية. وقد خص الله تعالى المسلمين بعيدين عظيمين هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وكل منهما يتوج عبادة عظيمة يؤديها المسلمون، فالأول بعد صيام شهر رمضان، والثاني بعد الوقوف بعرفة وأداء مناسك الحج. ويوم العيد له فضائل دينية واجتماعية ونفسية عظيمة، تظهر في نصوص القرآن والسنة، وفي تطبيقات الصحابة والتابعين، وفي مقاصد الشريعة الإسلامية.

أولاً: العيد شعيرة من شعائر الله

من أعظم فضائل يوم العيد أنه شعيرة إسلامية عظيمة، جاء بها الوحي وأمر بها النبي ﷺ، وحافظ عليها المسلمون جيلاً بعد جيل. وقد قال الله تعالى:

﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].

وفي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

قدم رسول الله ﷺ المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر» [رواه أبو داود والنسائي].

فبهذا يصبح العيد شعيرة شرعية ومنحة ربانية، يُظهر فيها المسلمون فرحهم بطاعة الله، ويجتمعون على الذكر والطاعة والصدقة، لا على اللهو والمعصية.

ثانياً: العيد يوم الجائزة والمغفرة

ورد في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال في عيد الفطر:

«إذا كان ليلة الفطر سُمّيت تلك الليلة ليلة الجائزة، فإذا كانت غداة الفطر بعث الله الملائكة في كل البلاد، فيهبطون إلى الأرض، فيقومون على أفواه السكك فينادون بصوت يسمعه جميع من خلق الله إلا الجن والإنس: يا أمة محمد، اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل، ويغفر العظيم…» [رواه البيهقي وغيره].

وهذا الحديث يدل على أن العيد يوم تتنزل فيه الرحمات والمغفرة من الله لعباده، وخاصة الذين أتموا صيامهم وقيامهم، أو أتموا حجهم ونحرهم.

ويوم العيد هو “يوم الجوائز”، كما وصفه بعض السلف، ففيه تُعطى الأجور، ويُكرم الصائمون، ويُعتق الرقاب، وتُقبل الطاعات.

ثالثاً: العيد يوم اجتماع المسلمين وتوحّد صفهم

من فضائل العيد أنه يجمع المسلمين كافة على ذكر الله والطاعة، ويُظهر وحدتهم وتماسكهم، رغم اختلاف لغاتهم وأعراقهم. ففيه يجتمعون على صلاة واحدة، في مكان واحد، بتكبير واحد، ولباس واحد، ومظاهر فرح مشترك.

وقد أمر النبي ﷺ بإخراج النساء والأطفال والحيض، بل حتى العواتق، ليشهدوا الخير ويشهدوا دعوة المسلمين. وهذا الاجتماع لا نظير له إلا في الجمع أو الحج، وله رمزية عظيمة في توحيد الصف، وربط المسلمين بعضهم ببعض.

رابعاً: التكبير في العيد عبادة عظيمة

شرع الله تعالى التكبير في العيد، فجعل له وقتًا يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان وحتى خروج الإمام لصلاة العيد في الفطر، وفي عيد الأضحى يبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق.

قال تعالى:

﴿وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185].

والتكبير في يوم العيد شعار التوحيد والفرح بالطاعة، وهو عبادة مستقلة يتقرب بها المسلم إلى الله، ويعلن بها خضوعه، ويجهر بها في الطرقات والأسواق، مما يُضفي على المجتمع كله أجواءً من الطاعة والسكينة والبهجة.

خامساً: العيد موسم للصدقة والإحسان

من أعظم فضائل العيد أنه موسم لإطعام الفقراء والمحتاجين. ففي عيد الفطر شرع الله زكاة الفطر، وجعلها طهرة للصائم وطعمة للمساكين، قال النبي ﷺ:

«فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين» [رواه أبو داود].

أما في عيد الأضحى، فإن النحر والهدي والضحية من العبادات العظيمة التي يتقرب بها المسلم إلى الله، ويُطعم منها الفقراء والجيران، ويُظهر بها الكرم والتضامن.

وفي هذا المعنى تظهر الروح التكافلية في الإسلام، فالفرح لا يكتمل إلا بمشاركة الآخرين، وخاصة من هم في حاجة، وهذا ما يميز الأعياد الإسلامية عن غيرها.

سادساً: العيد يوم صلة الأرحام وتصفية القلوب

من الفضائل البارزة ليوم العيد أنه فرصة عظيمة لصلة الأرحام، وزيارة الأقارب، وتصفية النفوس من الضغائن والشحناء. فهو يوم الرحمة والصفح، ويوم البر والإحسان.

وقد حث النبي ﷺ على صلة الرحم، فقال:

«من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه» [رواه البخاري].

وفي يوم العيد تتجلى هذه السنة العظيمة في تزاور الأقارب، وتبادل التهاني، وابتداء الصلح بين المتخاصمين، وهذا من أعظم الأعمال التي تُرضي الله.

سابعاً: العيد تربية عملية على القيم الإسلامية

يوم العيد ليس فرحًا عشوائيًّا، بل هو فرح منضبط بضوابط الشرع، يخلو من المحرمات والمخالفات، ويعبر عن القيم الأخلاقية والروحية للمسلم.

فهو فرح مشروع لا إسراف فيه، ولا خيلاء، ولا اختلاط محرم، ولا لهو مفسد، وإنما هو فرح بطاعة الله، ونعمة الهداية، ورضا الله عن عباده.

ومن خلال ما يقوم به المسلم في هذا اليوم من صلاة وتكبير وصدقة وصلة رحم وتوسعة على الأهل، يتربى على الانضباط الشرعي، ويعيش جوًا من التوازن بين الدين والدنيا.

ثامناً: صلاة العيد سنة مؤكدة وشعيرة عظيمة

صلاة العيد من أعظم مظاهر هذا اليوم، وهي سنة مؤكدة عند جمهور العلماء، وبعضهم قال بوجوبها كأبي حنيفة. وقد كان النبي ﷺ يحرص عليها ويأمر بها الرجال والنساء.

وهي صلاة ذات خصوصية، تؤدى في المصلى غالبًا، ويُجهر فيها بالقراءة، وتسبقها خطبة تحتوي على الوعظ والتذكير. وقد كانت الخطبة تُوجه للمجتمع كله، رجالًا ونساء، لتثبيت القيم وتأكيد الطاعات.

صلاة العيد تجسد معنى الاجتماع الإسلامي والوحدة الدينية، وتبث الأمل والفرح في النفوس، وتربط القلوب بالله تعالى، وتُشعر المسلم بقوة انتمائه لدينه وأمته.

تاسعاً: العيد مناسبة للزينة وإظهار النعمة

من السنة أن يتجمل المسلم في يوم العيد، ويلبس أحسن ثيابه، ويتطيب، ويظهر نعمة الله عليه. فقد كان النبي ﷺ يتجمل للعيد، وكان لعمر بن الخطاب رداء مخصوص للعيدين.

وفي هذا التجمّل شكرٌ لله على النعمة، وفرح مشروع، وإحياء لسنة النبي ﷺ، وتأكيد على أن الإسلام لا يمنع الزينة، بل ينظمها ويقيدها بضوابط.

قال تعالى:

﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ﴾ [الأعراف: 32].

عاشراً: من مظاهر العيد المأكولات والفرح المشروع

يوم العيد هو يوم أكل وشرب وفرح، وقد قال النبي ﷺ في حديث مشهور:

«يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب» [رواه أحمد].

وفي عيد الفطر يُسن للمسلم أن يفطر قبل صلاة العيد على تمرات، وفي عيد الأضحى يُستحب أن يُؤخر فطره إلى ما بعد الصلاة ليأكل من أضحيته.

وفي هذا تفريق بين العيدين، وتأكيد على أن الفرح في الإسلام لا يكون على حساب العبادة، بل بالتكامل معها.

جدول يوضح الفرق بين عيد الفطر وعيد الأضحى:

المصادر:

• ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري

• النووي، شرح صحيح مسلم

هذا العرض المتكامل لفضائل يوم العيد يكشف عن مدى عمق وثراء هذه الشعيرة الإسلامية التي لم تترك شاردة إلا وأحاطت بها شرعاً وسلوكاً، وحرصت على جعلها موسم طاعة وفرح، وإصلاح للفرد والمجتمع.