أذكار المساء والصباح: أهميتها، فضلها، وصيغها الواردة في السنة النبوية
تُعد الأذكار اليومية من أعظم الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، وهي من العبادات القلبية واللسانية التي تعكس صلة العبد بخالقه، وتضفي على حياته طمأنينة، وتملأ قلبه نورًا وإيمانًا. ومن بين هذه الأذكار، تحتل أذكار الصباح والمساء مكانة عظيمة، لما تشتمل عليه من أدعية جامعة ومعاني سامية تحفظ المسلم وتقيه شرور اليوم والليل، وتربطه بربه ربطًا دائمًا. وقد حثّ النبي ﷺ عليها وبيّن عظيم فضلها، لما فيها من الذكر، والدعاء، والاستغفار، والتسبيح، والتحصين.
أولًا: مفهوم أذكار الصباح والمساء
أذكار الصباح والمساء هي مجموعة من الأدعية والأذكار المأثورة عن النبي ﷺ، تقال في أول النهار وآخره، تُتلى في أوقات محددة، وتهدف إلى تذكير المسلم بعظمة خالقه، وشكره، وطلب الحماية منه، والتوكل عليه. تتضمن هذه الأذكار توحيد الله وتسبيحه وطلب رحمته ومغفرته، والاستعاذة به من الشرور، والدعاء بحفظ النفس والأهل والمال.
ثانيًا: توقيت أذكار الصباح والمساء
-
أذكار الصباح: تبدأ من بعد صلاة الفجر مباشرة وتستمر حتى طلوع الشمس، وهناك من العلماء من وسّع وقتها حتى قبل الزوال (أي الظهر)، لكن الأفضل الالتزام بما ورد عن السلف الصالح، وهو من الفجر إلى شروق الشمس.
-
أذكار المساء: تبدأ من بعد صلاة العصر وتستمر حتى غروب الشمس، ويجوز تأديتها حتى وقت العشاء لمن فاتته، وإن كان الأفضل أداؤها قبل غروب الشمس، اقتداءً بما ثبت من سنّة النبي ﷺ.
ثالثًا: فضل أذكار الصباح والمساء
لا تكاد تخلو كتب الحديث والفقه من ذكر فضل هذه الأذكار، وقد بيّنت النصوص النبوية آثارًا عظيمة مترتبة على المداومة عليها:
-
حفظ النفس من الشرور: فهي درع واقٍ من شرور الإنس والجن والحوادث.
-
طمأنينة القلب: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
-
الحماية من الوساوس: الذكر طارد للشيطان، مانع له من التغلغل في النفس.
-
الأجر والثواب: المداومة على الذكر من أسباب دخول الجنة، ورفعة الدرجات.
-
الرضا والتسليم لله: يرسّخ في قلب المؤمن التوكل والاستعانة بالله.
-
إحياء السنّة النبوية: بحفظها وترديدها يُحيا الهدي النبوي ويُتبع.
رابعًا: الأحاديث الواردة في فضلها
وردت أحاديث كثيرة في بيان فضل أذكار الصباح والمساء، منها:
-
عن عبد الله بن خبيب قال: قال لي رسول الله ﷺ: «قُلْ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَالمُعَوِّذَتَيْنِ، حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ» (رواه الترمذي).
-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «مَن قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مئة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه» (رواه مسلم).
خامسًا: صيغ أذكار الصباح والمساء الثابتة
نُورد هنا أبرز الأذكار التي وردت في الصحيح من الأحاديث النبوية، وهي من الأدعية الجامعة التي ينبغي على المسلم أن يحرص على حفظها وترديدها في وقتها.
1. آية الكرسي
“اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ…” [البقرة: 255]
فضلها: “من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت” (رواه النسائي).
2. خواتيم سورة البقرة
“آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ…” [البقرة: 285-286]
ثبت في الحديث: «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» (رواه البخاري).
3. سورة الإخلاص والمعوذتين
تُقال ثلاث مرات في الصباح والمساء.
4. “أصبحنا وأصبح الملك لله…”
صيغة:
“أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير…”
ويقال في المساء: “أمسينا وأمسى الملك لله…”
5. دعاء الحفظ
“اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية…”
6. “رضيت بالله ربًا…”
“رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ﷺ نبيًا” – ثلاث مرات.
قال النبي ﷺ: «من قالها وجبت له الجنة» (رواه أبو داود).
7. “اللهم بك أصبحنا…”
من الأدعية الجميلة الجامعة التي توكّل العبد على ربه وتستفتح بها يومه.
8. “حسبنا الله لا إله إلا هو…”
“حسبنا الله لا إله إلا هو عليه توكلنا وهو رب العرش العظيم” – سبع مرات.
9. “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن…”
دعاء الاستعاذة من ثمانية أشياء، وقد ورد عن النبي ﷺ، وهو دعاء جامع لدفع الشرور النفسية والمادية.
سادسًا: جدول شامل لأذكار الصباح والمساء الأساسية
| الذكر | عدد التكرار | الفضل |
|---|---|---|
| آية الكرسي | 1 | الحفظ من الشيطان |
| سورة الإخلاص والمعوذتين | 3 | تكفي من كل شيء |
| “رضيت بالله ربًا…” | 3 | وجبت له الجنة |
| “حسبنا الله لا إله إلا هو…” | 7 | الكفاية من الهم والغم |
| “سبحان الله وبحمده” | 100 | مغفرة الذنوب |
| “لا إله إلا الله وحده لا شريك له…” | 100 | كُتب له بها مائة حسنة |
| “اللهم بك أصبحنا…” | 1 | بداية اليوم بالتوكل على الله |
سابعًا: شروط قبول أذكار الصباح والمساء
-
النية الخالصة: أن تكون خالصة لوجه الله تعالى لا رياء فيها.
-
المواظبة: المداومة وعدم التهاون فيها.
-
التدبر والفهم: استحضار المعنى عند التلاوة.
-
الترتيب الزمني: الالتزام بأوقاتها المخصصة.
-
التلفظ بها: نطقها باللسان دون الاكتفاء بالقلب، إلا لعذر.
ثامنًا: الفوائد النفسية والصحية لأذكار الصباح والمساء
تتعدى الأذكار كونها شعائر تعبدية لتكون سببًا في تحقيق الاستقرار النفسي والذهني:
-
الحد من التوتر والقلق: الذكر يطمئن النفس ويقلل من الانفعالات.
-
تقوية الذاكرة الذهنية: المداومة على التكرار يعزز التركيز العقلي.
-
تحسين جودة النوم: قراءة أذكار المساء تعين على السكون قبل النوم.
-
تنمية الشعور بالرضا: يزرع في النفس اليقين بالله والاطمئنان لقضائه.
تاسعًا: أذكار الصباح والمساء في حياة الصحابة
كان الصحابة رضوان الله عليهم شديدي الحرص على الذكر، وقد رُوي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: “ما ندمت على شيء ندامتي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي”. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يحرص على الذكر في الصباح والمساء، ويكرر الأدعية حتى تُحسب له بالحسنات الكثيرة.
عاشرًا: التطبيقات الحديثة التي تساعد في المحافظة على الأذكار
في عصرنا الحالي، وفّرت التقنية وسائل كثيرة تسهل على المسلم المحافظة على أذكار الصباح والمساء، منها:
-
تطبيقات الأذكار على الهواتف الذكية مثل: “حصن المسلم”، و”أذكاري”.
-
التنبيهات اليومية عبر الهاتف لتذكير المسلم بمواعيد الأذكار.
-
البطاقات الورقية التي تُوضع في أماكن واضحة مثل المكاتب أو السيارة.
-
المشاركة الجماعية للأذكار ضمن الأسرة أو عبر المجموعات الإلكترونية.
الحادي عشر: توصيات عملية للمداومة على الأذكار
-
تخصيص وقت ثابت بعد الفجر والعصر لترديدها.
-
حفظ الأدعية الأساسية تدريجيًا.
-
تعليم الأطفال الأذكار وربطهم بها منذ الصغر.
-
جعلها عادة يومية مثل الطعام والنوم.
-
إدخال الأذكار ضمن برنامج المراجعة اليومية مع القرآن الكريم.
الثاني عشر: الفرق بين أذكار الصباح والمساء وأذكار اليوم العادي
رغم أنّ كل ذكر لله فيه أجر وخير، إلا أن أذكار الصباح والمساء تمتاز بأنها ذات أوقات مخصوصة، وارتبطت بأحداث اليوم والليل، وهي تحوي أدعية خاصة بالحماية، والاستعاذة، والطلب من الله التوفيق والبركة خلال ساعات النهار أو الليل، بخلاف الأذكار العامة التي يمكن قولها في أي وقت مثل “سبحان الله” أو “لا إله إلا الله”.
الثالث عشر: الخلاصة
إن أذكار الصباح والمساء من العبادات اللسانية اليومية التي ينبغي للمسلم أن يعتني بها ويغرسها في حياته، فهي حصن منيع من الشرور، ووسيلة لنيل رضا الله، وسبيل لنيل الطمأنينة والسكينة. وقد اعتنى بها السلف وحرصوا على نقلها والتأكيد عليها، وبيّنت السنة النبوية أجرها وفضلها في الدنيا والآخرة، فينبغي لنا الاقتداء بهدي النبي ﷺ والسير على سنته في هذا الباب.
المراجع:
-
كتاب “حصن المسلم” من أذكار الكتاب والسنة – سعيد بن علي بن وهف القحطاني
-
صحيح البخاري وصحيح مسلم – تحقيق الألباني
