أحكام المذي في الإسلام

المذي: طبيعته، أحكامه، وآثاره الفقهية والطبية

يُعد المذي أحد الإفرازات الطبيعية التي تخرج من الإنسان، وله أحكام فقهية وطبية تميّزه عن غيره من الإفرازات كالمني والودي، ولذلك فإن التفريق بين هذه الإفرازات ومعرفة خصائص كل منها له أهمية كبيرة، خاصة من حيث الطهارة وأداء العبادات في الشريعة الإسلامية، وأيضًا من حيث الجوانب الطبية والصحية المتعلقة بجسم الإنسان ووظائفه الفسيولوجية.

تعريف المذي

المذي هو سائل شفاف، رقيق، لزج، يخرج من القُضيب أو المهبل عند الإثارة الجنسية أو التخيل أو المداعبة أو التفكير في الجماع دون تدفق أو شدة، وغالبًا ما يكون الإنسان غير شاعر بخروجه، كما أنه لا يُصاحبه فتور في الجسد كالذي يحدث عند خروج المني. وقد يُلاحظ بعد التبوّل أو بعد حصول الإثارة دون بلوغ ذروة الشهوة.

وقد اختلف العلماء في توصيفه فقهياً، إلا أنهم اتفقوا على تمييزه عن المني من حيث الصفات والطهارة والأحكام المترتبة عليه، كما أنهم صنفوه ضمن الإفرازات التي تستوجب الطهارة لكنها لا توجب الغُسل الكامل.

الفرق بين المذي والمني والودي

لتحديد الأحكام الفقهية والصحية المتعلقة بالمذي، من الضروري التفريق بينه وبين سائلين آخرين قد يشتبه بهما، وهما: المني والودي. ويُوضح الجدول التالي الفرق بين هذه الإفرازات الثلاثة:

الأحكام الفقهية للمذي

1. طهارة المذي

المذي نجس باتفاق العلماء، وقد وردت نصوص كثيرة في السنة النبوية الشريفة تدل على ذلك، ومنها ما رواه الإمام البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال:

“كنت رجلاً مذاءً، فاستحييت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد فسأله، فقال: “فيه الوضوء”.”

وفي رواية أخرى:

“توضأ واغسل ذكرك.”

وبذلك يتضح أن المذي يُوجب الوضوء، ويجب غسل الموضع الذي أصابه من البدن والثوب، ولا يُكتفى بالمسح، بل لا بد من الغسل بالماء.

2. وجوب غسل الذكر والأنثيين

في بعض الروايات الصحيحة، ورد الأمر بغسل الذكر والأنثيين عند خروج المذي، وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن غسل الذكر فقط هو الواجب، بينما استحب بعضهم غسل الأنثيين (الخصيتين) أيضًا، لورود ذلك عن النبي ﷺ في بعض الروايات، لكن الأرجح أن غسل الذكر هو الواجب، وغسل الأنثيين مستحب.

3. تطهير الثوب من المذي

إذا أصاب المذي الثوب، وجب غسله أيضًا، لكونه نجسًا. وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها:

“كنت أفرك المذي من ثوب رسول الله ﷺ ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب”.

وقد فهم بعض العلماء من هذا الحديث أن الفرك كافٍ، لكن جمهور الفقهاء قالوا بوجوب الغسل بالماء، لأن الرواية الأخرى فيها:

“كنت أغسله من ثوب رسول الله ﷺ ثم يخرج إلى الصلاة”.

وذلك يدل على أهمية إزالة أثر النجاسة بالماء لا بمجرد الفرك.

4. خروج المذي لا يُوجب الغسل

من الأحكام المهمة أن خروج المذي لا يُوجب الغسل الكامل، بل يكفي فيه الوضوء وغسل الموضع. وهذا مما يُفرق بينه وبين المني الذي يُوجب الغُسل بالإجماع. إلا إذا صاحب خروج المذي احتلام أو جماع أدى إلى خروج المني، ففي هذه الحالة يجب الغُسل الكامل.

الجوانب الطبية للمذي

1. المنشأ الفسيولوجي للمذي

المذي يُفرز من غدد تُسمى “غدد كوبر” (Cowper’s glands)، وهي غدد صغيرة تقع أسفل غدة البروستاتا لدى الذكور، وتُفرز سائلاً قبل القذف لتسهيل عملية الجماع عبر تليين قناة الإحليل وتحييد الحموضة الناتجة عن البول المتبقي في القناة.

وفي النساء، يفرز المهبل إفرازات مشابهة عند الإثارة الجنسية، وهي تلعب نفس الدور في التهيئة للعلاقة الجنسية، وهي ناتجة من غدد بارثولين (Bartholin’s glands) وغدد أخرى في منطقة الفرج.

2. الوظائف الحيوية للمذي

• تليين قناة الإحليل: حيث يُقلل من الاحتكاك أثناء القذف، ويساعد على مرور المني دون أذى.

• تحييد الوسط الحامضي: إذ يعمل على تعديل درجة الحموضة في مجرى البول لتهيئة الظروف المثالية لحركة الحيوانات المنوية.

• التهيئة للجماع: من خلال تليين الأعضاء التناسلية وتقليل الاحتكاك المؤلم.

3. عدم احتوائه عادةً على حيوانات منوية

غالبًا لا يحتوي المذي على حيوانات منوية، لكنه قد يحمل بعضًا منها في بعض الأحيان، خاصة إذا سبق خروجه قذف سابق لم يتم بعده التبوّل، ما يجعل احتمالية الحمل بسبب المذي قائمة ولكنها ضعيفة جدًا. ولذلك لا يُعتمد عليه كوسيلة لمنع الحمل.

4. الاعتلالات المتعلقة بالمذي

• الإفراز المفرط للمذي: في بعض الحالات النادرة، قد يُعاني بعض الرجال من كثرة الإفرازات المذيّة دون سبب واضح، مما يُسبب لهم حرجًا في الصلاة والطهارة.

• التهابات مجرى البول: أحيانًا يختلط الأمر على المرضى بين المذي والإفرازات الناتجة عن التهابات مجرى البول أو البروستاتا، وهو ما يستدعي فحصًا طبيًا دقيقًا للتمييز بينها.

• الحالة النفسية: تكرار خروج المذي عند مجرد التفكير قد يكون مرتبطًا بفرط التحسس أو فرط النشاط الجنسي، وقد يُصاحبه قلق مفرط من جانب الشخص حول الطهارة، مما يتسبب في وسوسة دينية تتطلب العلاج السلوكي أو الإرشاد النفسي.

التعامل الشرعي مع كثرة خروج المذي

بعض الأشخاص يعانون من كثرة خروج المذي لدرجة تكرار الوضوء وغسل الملابس، مما قد يُسبب لهم مشقة ووسواسًا شديدًا. وقد أجاز العلماء في هذه الحالة الأخذ برخصة أصحاب الأعذار.

فمن كان المذي يخرج منه بشكل مستمر ولا يمكنه التحكّم فيه، فإنه يُعامل معاملة سلس البول، أي:

• يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها.

• لا يُبطل وضوءه ما خرج منه أثناء الصلاة.

• يُستحب له وضع شيء يحجز السائل (كالمناديل) لتجنب انتشار النجاسة.

وهذا يُظهر يسر الشريعة الإسلامية ومرونتها في التعامل مع الضرورات والحالات الخارجة عن إرادة الإنسان.

خلاصة الفروق الفقهية والطبية بين الإفرازات الثلاثة

المصادر

1. صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب من توضأ من المذي.

2. الموسوعة الطبية الفقهية – د. محمد البار، دار القلم، دمشق.