أحكام الراء عند حفص

أحكام الراء عند حفص

إن علم التجويد من أعظم العلوم الشرعية المتعلقة بالقرآن الكريم، وهو العلم الذي يُعنى بتحسين التلاوة وضبط النطق بالحروف وفق ما تلقاه الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن أبرز المسائل التفصيلية في علم التجويد: أحكام حرف الراء، لا سيما عند راوي حفص عن عاصم من طريق الشاطبية، إذ تُعد أحكام الراء من المواضع التي تحتاج إلى دقة في التطبيق، بسبب تغير الحكم تبعًا للحركات والسكنات والمواضع.

يُعتبر حرف الراء من الحروف ذات الخصائص الصوتية المتعددة، وقد ورد في القرآن الكريم آلاف المرات، ولذلك فإن ضبط أحكامه يعد أمرًا جوهريًا للقارئ، خاصة أن الاختلاف بين الترقيق والتفخيم فيه يؤثر على سلامة الأداء القرآني ومخارج الحروف وصفاتها.

خصائص حرف الراء وصفاته

الراء هو حرفٌ لثويٌّ طرفيّ، يخرج من طرف اللسان مع ما يحاذيه من لثة الثنيتين العلويتين. ومن صفاته: التكرير، وهو ارتعاد طرف اللسان عند النطق به، لذلك وجب الحذر من المبالغة فيه. ويُعد من الحروف المائعة التي تميل في النطق بين الترقيق والتفخيم وفقاً لمواضعه وملابساته الصوتية.

القاعدة العامة في أحكام الراء

ينقسم حكم الراء عند حفص إلى قسمين رئيسيين:

• التفخيم: أي تغليظ صوت الراء.

• الترقيق: أي تنحيف صوت الراء.

ويُحدد ذلك بحسب حركتها أو حركة ما قبلها أو بعدها، وكذلك بحسب موضعها في الكلمة وصلًا ووقفًا، مع مراعاة الحروف المجاورة والموانع.

حالات تفخيم الراء

1. الراء المفتوحة

تُفخَّم الراء دائمًا إذا كانت مفتوحة، سواء كانت في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها، مثل:

• رَسول

• بَرَكَة

• قَدَرَ

2. الراء المضمومة

تُفخَّم الراء كذلك إذا كانت مضمومة، مثل:

• رُزِقوا

• غُرفات

• نُرِيد

3. الراء الساكنة بعد فتح أو ضم

إذا كانت الراء ساكنة وسبقها حرف مفتوح أو مضموم، فإنها تُفخَّم، مثل:

• مَرْحَمَة (بعد فتح)

• قُرْآن (بعد ضم)

• شُرْباً

4. الراء الساكنة بعد كسر عارض غير أصلي

إذا جاء قبل الراء الساكنة كسر غير أصلي، فإن الراء تُفخَّم كذلك، مثل:

• إرْجِعوا

• إرْكَعوا

ففي هذه الأمثلة، الكسر عارض بسبب دخول همزة الأمر، وليس أصليًا في بنية الكلمة.

5. الراء الساكنة في آخر الكلمة وقفًا وكان قبلها حرف ساكن مسبوق بحرف مضموم أو مفتوح

مثل:

• مِصْرْ ← الراء مفخمة وقفًا لأن قبلها ساكن مسبوق بفتح

• الذِّكْرْ ← الراء مفخمة وقفًا لأن قبلها ساكن مسبوق بكسر غير أصلي

حالات ترقيق الراء

1. الراء المكسورة

إذا كانت الراء مكسورة، وجب ترقيقها دائمًا، مثل:

• رِزق

• رِجال

• رِياح

2. الراء الساكنة بعد كسر أصلي

إذا كانت الراء ساكنة وسبقها كسر أصلي (ثابت في بنية الكلمة)، فإنها تُرقق، مثل:

• فِرْقَة

• مِرْفَق

• إِرْشَاد

ويعد هذا من أشهر مواضع الترقيق.

3. الراء الواقعة بعد ياء ساكنة مكسور ما قبلها

وهذه الحالة تشمل الكلمات التي تتضمن “ياء” ساكنة وقبلها كسر، فتُرقق الراء، مثال:

• خِيرَات

• سِيرَة

• قِيرَاط

4. الراء الواقعة في آخر الكلمة مسبوقة بياء ساكنة مكسور ما قبلها

مثال:

• بَصِيرْ

• خَبِيرْ

في هذه المواضع، ترقيق الراء وقفًا ووصلًا هو الراجح عند حفص إذا تحققت شروط الكسر قبل الياء والياء ساكنة.

حالات اختلف فيها القراء ورجّح حفص أحد القولين

توجد مواضع قليلة في القرآن الكريم فيها الراء ساكنة بعد كسر، ولكن بسبب وجود حرف استعلاء بعد الراء أو عوامل أخرى اختلف القراء فيها بين الترقيق والتفخيم، ومن هذه المواضع:

كلمة “مِرْصاد”

• وقع خلاف بين القراء، لكن حفص يقرأها بالتفخيم لأن الراء ساكنة بعد كسر ولكن يليها حرف استعلاء وهو “ص”، مما يُرجّح التفخيم.

كلمة “قِرْطَاس”

• كذلك تُفخم عند حفص لأن الراء ساكنة بعد كسر ولكن يليها “طاء” وهي حرف استعلاء.

كلمة “فِرْق”

• تُقرأ مفخمة مع أنها ساكنة بعد كسر، بسبب ما تقتضيه فصاحة اللغة والتلقي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

جدول تفصيلي يوضح أحكام الراء عند حفص:

مواضع استثنائية تتعلق بالوقف

عند الوقف على كلمات تنتهي براء، قد يختلف حكمها بين الوقف والوصل:

• بصير ← ترقق عند الوقف لأن ما قبل الراء ياء ساكنة مكسور ما قبلها.

• مصر ← تفخم عند الوقف لأن الراء مسبوقة بحرف ساكن مسبوق بفتح.

أما في الوصل، فقد تختلف القاعدة حسب اتصال الكلمة بما بعدها.

الأخطاء الشائعة في أحكام الراء

1. التفخيم الزائد: خصوصًا في الراء المكسورة مثل “رِزق”، ما يؤدي إلى إخراج صوت غير صحيح.

2. الترقيق في غير موضعه: كما في “قُرْآن” أو “مِرْصاد”، حيث يجب تفخيم الراء.

3. الترقيق مع وجود حرف استعلاء بعد الراء: في بعض المواضع التي يجب أن تُفخم لتأثرها بحرف الاستعلاء، يجب التنبه لذلك.

4. تكرار الراء أكثر من اللازم: عند نطق الراء يجب الحذر من الإفراط في صفة التكرير.

الأثر الصوتي والتعبدي لضبط أحكام الراء

إتقان أحكام الراء ليس فقط مسألة تجويدية تقنية، بل هو جزء من التعبد بالقرآن الكريم على النحو الذي أُنزِل به. فالفرق بين الترقيق والتفخيم يُحدث فرقًا في معنى الكلمة، وفي تأثيرها الصوتي والبلاغي. كما أن التلقي الصحيح للروايات، وخصوصًا رواية حفص، يضمن سلامة الأداء ويصون النص القرآني من التحريف أو التحوير في التلاوة.

الخاتمة

أحكام الراء عند حفص تُعد من أهم الأحكام الصوتية التي يجب على القارئ المجوِّد ضبطها وإتقانها؛ لما لها من تأثير مباشر على صحة التلاوة وجمال الأداء. وتتطلب هذه الأحكام معرفة دقيقة بالحركات والمجاورات والموانع الصوتية التي تتحكم في الحكم، سواء أكان تفخيمًا أو ترقيقًا. ويجب تلقي هذه الأحكام من أفواه المشايخ المتقنين، ومراعاة الأداء الصوتي الدقيق في التلاوة، دون تعسف أو تساهل، اقتداءً بالصحابة الكرام والتابعين الذين تلقوا القرآن كما أُنزل.

المراجع:

1. ابن الجزري، النشر في القراءات العشر، دار الكتب العلمية.

2. عبد الفتاح القاضي، الوجيز في علم التجويد، مكتبة الغزالي.