أجمل ما قيل في حب مصر

عنوان المقال: حب مصر في عيون الأدباء

تظل مصر، عبر العصور، منبعاً للإلهام وعنواناً للبهاء، فهي ليست مجرد قطعة من الجغرافيا، بل روح سكنت القلوب، وتاريخٌ نقشَ مجده على جدران الزمن. حب مصر ليس حباً عادياً، بل هو ارتباط عضوي يتجاوز العاطفة العابرة ليتحول إلى انتماءٍ متجذر في الوجدان، نراه في الشعر، ونسمعه في الأغاني، ونعيشه في المواقف الوطنية الكبرى. فمصر لم تكن أبداً وطناً كغيره، بل كانت مدرسةً للحضارة، ومهدًا للثقافات، وقلعةً من قلاع المجد الإنساني.

مصر في عيون التاريخ

منذ فجر التاريخ، احتلت مصر مكانة مركزية في الوعي الإنساني، فكانت أول دولة ذات كيان سياسي موحد في العالم القديم، وخرج منها أول حبر على ورق، وأول بناء حجري عملاق، وأول دستور عرفته البشرية. هذا المجد الحضاري ظل حياً في ذاكرة الأمم، وظلت مصر عنواناً للحكمة والنور، لا تغيب عن قلب من أحبها، ولا تنكسر تحت وطأة الزمن، مهما تبدلت العصور.

ففي مصر تأسست مفاهيم الدولة، والنظام، والإدارة، والمعمار، والتعليم. هي التي حملت مشاعل الفكر منذ آلاف السنين، ووقفت شامخة أمام كل الغزاة والطامعين، تخرج من كل محنة أكثر صلابة، وتستمر في عطائها رغم كل الجراح.

حب مصر في الأدب العربي

لم تكن مصر يوماً غائبة عن أقلام الأدباء، فكانت الملهمة الأولى للكتّاب والشعراء، وأصبحت جزءاً من ذاكرتهم الوجدانية. قال عنها أمير الشعراء أحمد شوقي:

“وطني لو شغلتُ بالخلد عنه

نازعتني إليه في الخلد نفسي”

وفي بيتٍ آخر يقول:

“سلامٌ من صبا بردى أرقُّ

ودمعٌ لا يُكفكف يا مصرُّ”

هذان البيتان يكشفان مدى الحنين والانتماء، فمصر لا تُنسى حتى لو سكن الشاعر الجنة. وقد ربط شوقي مجد العرب بمجدهـا، فجعلها مرآةً تعكس بهاء الأمة كلها.

كذلك كتب حافظ إبراهيم عن مصر فقال:

“أنا إن قدر الإله مماتي

لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي”

وهذا يعكس إدراكه العميق لمكانة مصر في الشرق العربي. فهي القلب النابض للعالم العربي، وإذا مرض قلب الأمة، مرضت الأمة كلها.

مصر في الشعر الحديث

مع تطور الحراك الثقافي والسياسي، ظل الشعراء يرددون أناشيد حب لمصر، بأصوات جديدة أكثر جرأة وواقعية. كتب صلاح جاهين عنها:

“أنا المصري كريم العنصرين

بنيت المجد بين الأهرمين”

أما عبد الرحمن الأبنودي، فقد كان صوته الشعبي الصادق الذي تغنّى بمصر البسيطة، مصر التي في الشوارع، وفي الحقول، وفي وجوه البسطاء. كتب عنها كثيراً، وأبرزها قصيدته الشهيرة “عدّى النهار” التي غناها عبد الحليم حافظ بعد نكسة 67، ليؤكد أن الليل لا بد أن ينجلي، وأن مصر قادرة على النهوض مهما كانت الخسائر.

مصر في الأغاني الوطنية

الوجدان المصري لم يكن في يوم من الأيام بعيداً عن التفاعل الفني مع حب الوطن، وقد أنتجت مصر عشرات الأغاني الوطنية التي خلدت في ذاكرة الأجيال. أغاني أم كلثوم مثل “مصر تتحدث عن نفسها” التي كتبها حافظ إبراهيم، أو “أنا الشعب”، و”أصبح عندي الآن بندقية”، وكذلك أغاني عبد الحليم حافظ مثل “خلي السلاح صاحي” و”بالأحضان يا بلدي” أصبحت رمزاً لفترة من النضال الوطني والحلم القومي.

هذا الفن الرفيع لم يكن مجرد ترفٍ موسيقي، بل كان وسيلة لتثبيت الهوية وتعزيز الانتماء، ووسيلة مقاومة في وجه العدوان، وصوتاً للوطن حين يصمت الكلام.

مصر في كلمات السياسيين والمفكرين

لم يكن حب مصر حبيساً في قلوب الشعراء فقط، بل تجلى في كلمات السياسيين والمفكرين الذين رأوا فيها نقطة الانطلاق لأي نهضة عربية. قال جمال عبد الناصر:

“إذا كانت الأمة العربية جسداً، فإن مصر هي القلب الذي يضخ الدماء في شرايينها”

أما أنور السادات، فقال:

“مصر هي الأمة، وهي الدولة، وهي الحضارة”

وفي السياق الفكري، رأى المفكر الراحل محمد حسنين هيكل أن:

“مصر هي حجر الزاوية في أي مشروع نهضوي عربي، وبدونها لا قيام لحركة قومية، ولا صعود للعرب على المسرح الدولي”

مصر في عيون الرحالة والمستشرقين

زار مصر الكثير من الرحالة والمستشرقين، وتركوا شهاداتهم في كتب ومذكرات لا تزال حاضرة حتى اليوم. كتب المؤرخ الإغريقي “هيرودوت” قائلاً:

“مصر هبة النيل”

وهو التعبير الشهير الذي لا يزال يتردد إلى اليوم. أما الرحالة العربي ابن بطوطة، فكتب في مذكراته:

“رأيت في مصر من العجائب ما لا يمكن حصره، فهي مدينة الملوك، وأرض العجائب، ومأوى العلماء”

كما كتب الفرنسي “جان فرانسوا شامبليون” الذي فك رموز اللغة الهيروغليفية، قائلاً:

“مصر ليست فقط حضارة قديمة، بل هي مفتاح لفهم الإنسانية كلها”

جدول يوضح أبرز الشخصيات التي عبرت عن حبها لمصر

مصر في قلب المواطن البسيط

رغم كل ما قيل عن مصر في الكتب والصحف والأدب، فإن حب مصر الأعظم لا يوجد في المجلدات، بل في قلوب أهلها الطيبين. في الفلاح الذي يستيقظ على أمل موسم خير، وفي العامل الذي يبني الطوبة فوق الطوبة، وفي الجندي الذي يحرس حدودها في صمت. حب مصر يتجلى في تفاصيل الحياة اليومية، في التكافل بين الناس، في البسطاء الذين لا يملكون سوى الحب لها.

مصر الوطن والمستقبل

ما يجعل حب مصر مختلفاً أنه لا يقتصر على الماضي فقط، بل يشمل الحاضر والمستقبل. فكل مصري يحمل في داخله أملاً أن يرى وطنه أكثر أمناً، وأكثر نهضة، وأكثر عدالة. حب مصر ليس تعلقاً بالماضي المجيد فقط، بل التزاماً ببناء مستقبل أكثر إشراقاً.

في كل أزمة، تعود مصر لتنهض. في كل نكسة، تعود لتقف. في كل تحدٍّ، تخرج أكثر قوة. وهذا ما يجعل حب مصر حباً أبدياً، لا تنال منه الأحداث، ولا تغيّره الظروف، بل يزيده الزمان عمقاً ورسوخاً.

المراجع

1. كتاب “الوسيط في الأدب العربي الحديث” – الدكتور شوقي ضيف.

2. “مذكرات الرحالة ابن بطوطة” – طبعة دار الفكر.