المستويات الثلاثة للاستراتيجية

الاستراتيجية: مفهومها والمستويات الثلاثة للاستراتيجية

الاستراتيجية هي الخطط والسياسات التي تضعها المؤسسات، الشركات، أو الحكومات لتحقيق أهداف محددة على المدى الطويل. يُنظر إلى الاستراتيجية كإطار عمل توجيهي يوجه القرارات والموارد نحو تحقيق هذه الأهداف. يعتمد النجاح في أي مجال على تحديد استراتيجيات مدروسة بعناية، ومتابعة تنفيذها وفقًا للمتغيرات المحيطة بالبيئة الداخلية والخارجية.

تعريف الاستراتيجية

من الناحية النظرية، تُعرّف الاستراتيجية على أنها مجموعة من الخطط التي تهدف إلى تحقيق أهداف معينة ضمن إطار زمني محدد، حيث يتم تحديد السياسات، واختيار الأدوات والموارد المناسبة لتنفيذ تلك الأهداف. ترتبط الاستراتيجية بالقرارات طويلة المدى، وهي تركز على كيفية التكيف مع التحديات المستقبلية وتحديد الفرص المتاحة في السوق أو المجال الذي تعمل فيه المؤسسة.

تتجاوز الاستراتيجية فكرة اختيار الإجراءات اليومية أو التكتيكية التي تُنفذ في الأوقات القصيرة. هي تفكير طويل المدى يهدف إلى الوصول إلى نقاط القوة الاستراتيجية للمؤسسة. تتضمن الاستراتيجية أيضًا تخصيص الموارد بكفاءة لضمان الاستدامة والتنافسية.

أنواع الاستراتيجيات

يمكن تقسيم الاستراتيجيات إلى عدة أنواع، من أهمها:

1. الاستراتيجية المؤسسية (Corporate Strategy): التي تحدد توجه المؤسسة بأكملها وكيفية تفاعلها مع بيئتها الخارجية.

2. الاستراتيجية الوظيفية (Functional Strategy): التي تركز على المجالات المتخصصة داخل المؤسسة مثل التسويق، الموارد البشرية، والمالية.

3. الاستراتيجية التنافسية (Competitive Strategy): التي تركز على كيفية التنافس مع الشركات الأخرى في السوق لتحقيق تفوق.

المستويات الثلاثة للاستراتيجية

تُنفذ الاستراتيجيات على ثلاثة مستويات رئيسية داخل أي منظمة أو مؤسسة: المستوى المؤسسي، المستوى التجاري، و المستوى الوظيفي. لكل مستوى خصائصه وأهدافه التي تختلف عن الآخرين، لكنهم جميعًا يعملون معًا لضمان تحقيق الأهداف العامة للمؤسسة.

1. المستوى المؤسسي (Corporate Level Strategy)

يُعتبر المستوى المؤسسي الأعلى في الهيكل التنظيمي للمؤسسة. في هذا المستوى، يُحدد الاتجاه الاستراتيجي الشامل للمؤسسة ككل، بما في ذلك التوجهات العامة، نطاق الأنشطة، وكيفية تخصيص الموارد بين الأقسام المختلفة. تشمل الاستراتيجية المؤسسية القرارات التي تؤثر في الكيان العام للمؤسسة وتعمل على تحديد شكل الأعمال التجارية التي يجب أن تمارسها.

أهداف المستوى المؤسسي غالبًا ما تشمل:

• الاستحواذ والنمو: يمكن أن يكون هذا من خلال الاستحواذ على شركات أخرى، أو الدخول في أسواق جديدة، أو توسيع قاعدة المنتجات والخدمات.

• تنويع الأعمال: وذلك عبر توسيع نطاق المنتجات أو الخدمات التي تقدمها المؤسسة لتقليل المخاطر وتحقيق النمو.

• التحويل أو الانكماش: في بعض الأحيان، يمكن أن تُقرر المؤسسة تقليص نطاق أعمالها أو التوقف عن بعض الأنشطة غير المربحة أو التي لا تتماشى مع استراتيجيتها الشاملة.

على سبيل المثال، إذا كانت شركة ما تنتمي إلى صناعة التكنولوجيا، فقد تتخذ قرارًا استراتيجيًا لتوسيع عملياتها في أسواق ناشئة أو دخول مجالات أخرى مثل الذكاء الاصطناعي أو الخدمات السحابية، وهذا يندرج ضمن الاستراتيجية المؤسسية.

2. المستوى التجاري (Business Level Strategy)

المستوى التجاري أو مستوى الأعمال هو المستوى الذي يركز على كيفية التنافس في السوق. هذا النوع من الاستراتيجيات يتعامل مع كيفية تحسين الأداء التنافسي للشركة في قطاعها المحدد أو مجال نشاطها. يُتوقع من الاستراتيجية التجارية أن تساعد في تحقيق التفوق على المنافسين وتوفير قيمة مضافة للعملاء.

على هذا المستوى، يتم تحديد كيفية تحقيق الميزات التنافسية من خلال ثلاثة استراتيجيات رئيسية:

• استراتيجية القيادة بتكلفة منخفضة: تعتمد على تقديم المنتجات أو الخدمات بأسعار أقل من المنافسين، مما يعزز القدرة التنافسية ويجذب العملاء الذين يفضلون الأسعار الاقتصادية.

• استراتيجية التمايز: تهدف إلى تقديم منتجات أو خدمات تختلف بشكل واضح عن تلك التي يقدمها المنافسون، مما يسمح للشركة بفرض أسعار أعلى. في هذه الحالة، تُركّز الاستراتيجية على الفروق الفريدة التي يمكن أن تلبي احتياجات معينة للعملاء.

• استراتيجية التركيز: تركز هذه الاستراتيجية على فئة معينة من السوق أو شريحة من العملاء. بدلاً من محاولة تلبية احتياجات الجميع، تسعى الشركات التي تتبع استراتيجية التركيز إلى تلبية احتياجات مجموعة مستهدفة بشكل متفوق.

عند اتخاذ القرارات الاستراتيجية على هذا المستوى، يجب على الشركة تحليل البيئة التنافسية، وتحديد نقاط القوة والضعف، وتحديد الفرص والتحديات في السوق. كما يجب أن تضمن الاستراتيجية التجارية تميزها عن المنافسين من خلال استثمارات مدروسة في البحث والتطوير، وخدمة العملاء، وحملات التسويق.

3. المستوى الوظيفي (Functional Level Strategy)

المستوى الوظيفي هو المستوى الذي يركز على تنفيذ الاستراتيجيات الخاصة بالأقسام أو الوظائف المختلفة داخل المنظمة. يتعامل هذا المستوى مع كيفية تحسين الأداء في المجالات الخاصة مثل التسويق، الإنتاج، الموارد البشرية، البحث والتطوير، والخدمات اللوجستية. تختلف الاستراتيجيات الوظيفية بحسب القطاع أو الوظيفة المحددة، لكنها دائمًا تهدف إلى دعم الاستراتيجية العامة للمؤسسة أو الأعمال التجارية.

على سبيل المثال:

• استراتيجية التسويق: تركز على كيفية استخدام الأدوات التسويقية بشكل فعال مثل الترويج والإعلان والعلاقات العامة للوصول إلى العملاء المستهدفين وتعزيز الوعي بالعلامة التجارية.

• استراتيجية الموارد البشرية: تهدف إلى جذب وتطوير المواهب داخل المؤسسة، وتحقيق أقصى استفادة من الموظفين من خلال برامج التدريب والتحفيز.

• استراتيجية الإنتاج: تركز على تحسين كفاءة العمليات الإنتاجية وتقليل التكاليف وزيادة الجودة لتلبية احتياجات السوق.

كل قسم في المؤسسة يجب أن يكون لديه استراتيجيات محددة تلائم وظائفه وتكمل الاستراتيجية العامة للمؤسسة. هذه الاستراتيجيات تكون أكثر تخصيصًا وتحدد الخطوات التي يجب اتخاذها لتحقيق الأهداف اليومية على المستوى الوظيفي.

العلاقة بين المستويات الثلاثة للاستراتيجية

يعتبر التنسيق بين هذه المستويات الثلاثة أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق النجاح. الاستراتيجيات على المستوى المؤسسي تحدد الاتجاه العام، بينما الاستراتيجيات التجارية تحدد كيفية التنافس في السوق، والاستراتيجيات الوظيفية تركز على التنفيذ الفعّال والعملي. على سبيل المثال، إذا كانت الشركة تهدف إلى التوسع في أسواق جديدة (استراتيجية مؤسسية)، فإن القسم التجاري يجب أن يحدد أفضل الطرق للتنافس في تلك الأسواق، بينما يجب أن تدعم الأقسام الوظيفية (مثل التسويق والموارد البشرية) تلك الجهود بتنفيذ استراتيجيات مدروسة.

يجب أن يتم مراجعة هذه الاستراتيجيات بانتظام لضمان استجابتها للمتغيرات البيئية والتغيرات في احتياجات العملاء والمنافسة. كما يجب أن تكون الاستراتيجيات مرنة بما يكفي للتكيف مع التحولات في السوق أو التقنيات الجديدة.

الخلاصة

الاستراتيجية هي الأداة الأساسية التي تساعد المؤسسات على تحقيق أهدافها في بيئة عمل مليئة بالتحديات. من خلال تحديد المستويات الثلاثة للاستراتيجية (المؤسسي، التجاري، الوظيفي)، تستطيع الشركات صياغة خطط مرنة وفعّالة تتماشى مع رؤيتها المستقبلية. وهذا التنسيق بين المستويات يضمن تنفيذ أهداف المؤسسة بكفاءة عالية، ويعزز قدرتها التنافسية في السوق.