أسباب التعرق أثناء النوم عند الأطفال

يُعتبر التعرق الليلي عند الأطفال ظاهرة شائعة يواجهها العديد من الآباء، حيث يلاحظون تعرقاً مفرطاً على جبين أو رأس أو حتى كامل جسم الطفل أثناء نومه، بالرغم من أن درجة حرارة الغرفة معتدلة. في بعض الأحيان، يكون هذا التعرق طبيعياً ولا يدعو للقلق، لكنه قد يكون في أحيان أخرى مؤشراً لحالة طبية كامنة تتطلب المتابعة والتقييم. لفهم هذه الظاهرة بشكل شامل، يجب التطرق إلى الجهاز العصبي للأطفال، العمليات الحيوية المرتبطة بتنظيم الحرارة، إضافة إلى الحالات الصحية والنفسية التي قد تكون سبباً في التعرق الليلي.

الفسيولوجيا الطبيعية للتعرق عند الأطفال

ينظم الجسم درجة حرارته من خلال عملية التعرق التي يتم التحكم فيها عن طريق الجهاز العصبي اللاإرادي. عند ارتفاع درجة حرارة الجسم نتيجة للنشاط أو ارتفاع حرارة الجو، تبدأ الغدد العرقية في إفراز العرق على سطح الجلد ليتم تبخيره وبالتالي تخفيض درجة حرارة الجسم. الأطفال، خصوصاً في المراحل العمرية المبكرة، يمتلكون جهازاً عصبيًا غير مكتمل النضج تماماً، ما يجعلهم أكثر عرضة لتقلبات في تنظيم حرارة الجسم والتعرق الزائد مقارنة بالبالغين.

الغدد العرقية لدى الأطفال أكثر نشاطًا في مناطق معينة مثل الرأس والعنق، الأمر الذي يفسر سبب التعرق الكثيف في هذه المناطق أثناء النوم، حتى في درجات حرارة معتدلة. لذلك، قد يكون التعرق عند بعض الأطفال نتيجة طبيعية لتطور الجهاز العصبي.

الأسباب الشائعة للتعرق الليلي عند الأطفال

1. البيئة المحيطة وحرارة الغرفة

ارتفاع حرارة الغرفة أو استخدام أغطية سميكة وملابس نوم دافئة قد يكون من أبرز العوامل التي تسبب التعرق الليلي. الأطفال حساسون أكثر من البالغين لتغير درجات الحرارة، ولذلك فإن التدفئة الزائدة أو سوء التهوية في غرفة النوم قد يؤدي إلى تعرق مفرط.

2. النشاط الحركي أثناء النوم

بعض الأطفال يتمتعون بدرجة عالية من النشاط أثناء النوم، كأن يتقلبوا كثيرًا أو يحركوا أطرافهم، مما يؤدي إلى زيادة في النشاط العضلي وبالتالي ارتفاع طفيف في حرارة الجسم وتحفيز الغدد العرقية.

3. العدوى الفيروسية أو البكتيرية

تعتبر العدوى أحد الأسباب الشائعة لتعرق الأطفال أثناء النوم، خصوصاً في المراحل الأولى من الإصابة. في حالة الحمى، يحاول الجسم خفض الحرارة الداخلية من خلال التعرق. قد يستمر هذا التعرق لبضعة أيام حتى بعد زوال الحمى، بسبب استمرار الجهاز المناعي في العمل.

4. الارتجاع المعدي المريئي

الارتجاع المعدي من الحالات الشائعة عند الأطفال، وقد يرتبط أحيانًا بزيادة التعرق الليلي. تظهر بعض الأبحاث أن الأطفال الذين يعانون من ارتجاع معدي مريئي قد يعانون من اضطرابات في النوم وارتفاع خفيف في نشاط الجهاز العصبي الذاتي مما يؤدي إلى التعرق أثناء النوم.

5. تضخم اللوزتين أو الزوائد الأنفية

يُعد تضخم اللوزتين أو اللحمية أحد الأسباب الشائعة التي تؤثر على جودة التنفس أثناء النوم، وقد يؤدي إلى حالات انقطاع النفس الليلي، وهي حالة يتم فيها توقف التنفس مؤقتًا أثناء النوم. أحد أعراض هذه الحالة هو التعرق الليلي الغزير، نتيجة للمجهود الزائد الذي يبذله الجسم في محاولة الحصول على الأوكسجين.

6. فرط التعرق الأولي

وهو حالة تتمثل في نشاط مفرط للغدد العرقية دون وجود سبب عضوي واضح. هذا النوع من التعرق قد يظهر في أي وقت من اليوم لكنه يزداد أحيانًا أثناء النوم، ويتركز في مناطق معينة مثل راحة اليد، القدم، والإبطين، وأحيانًا الرأس والوجه.

7. الاضطرابات الهرمونية

رغم ندرتها عند الأطفال، إلا أن بعض الاضطرابات الهرمونية مثل فرط نشاط الغدة الدرقية يمكن أن تؤدي إلى زيادة معدل الأيض وبالتالي ارتفاع حرارة الجسم والتعرق المفرط أثناء النوم. هذه الحالات غالبًا ما تكون مصحوبة بأعراض أخرى مثل فقدان الوزن، التهيج، وزيادة معدل ضربات القلب.

8. الأدوية

بعض الأدوية، بما في ذلك الأدوية المضادة للحمى أو المضادة للصرع، قد تسبب التعرق الليلي كأثر جانبي. ينبغي دائمًا مراجعة النشرة الدوائية أو استشارة الطبيب في حال الشك بأن أحد الأدوية قد يكون مسؤولًا عن التعرق.

9. العوامل النفسية والقلق

الضغط النفسي، القلق، أو حتى الكوابيس قد تؤثر على نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي وتؤدي إلى نوبات من التعرق أثناء النوم، خصوصًا إذا كان الطفل يمر بفترة توتر نفسي أو تغيرات بيئية مثل دخول المدرسة أو مشاكل في الأسرة.

حالات طبية خطيرة محتملة وراء التعرق الليلي

رغم أن معظم حالات التعرق الليلي عند الأطفال تكون غير خطيرة، إلا أن هناك بعض الحالات الطبية النادرة ولكنها خطيرة قد تسبب تعرقًا ليليًا مزمنًا يجب عدم تجاهلها:

1. السل الرئوي (Tuberculosis)

يُعتبر التعرق الليلي أحد الأعراض الكلاسيكية لمرض السل، رغم ندرته بين الأطفال في كثير من الدول. إلا أنه في حال وجود عوامل خطر مثل ضعف المناعة أو سفر الطفل إلى مناطق موبوءة، يجب أخذ هذا الاحتمال بعين الاعتبار، خصوصًا إذا كان التعرق مصحوبًا بسعال مزمن وفقدان في الوزن.

2. أمراض القلب الخلقية

بعض التشوهات القلبية الخلقية تؤدي إلى إرهاق عضلة القلب أثناء النوم، الأمر الذي قد يؤدي إلى التعرق الشديد نتيجة المجهود البدني غير الظاهر.

3. السرطان، مثل اللمفوما

من الأمراض النادرة جدًا عند الأطفال، إلا أن بعض أنواع السرطانات مثل الأورام اللمفاوية قد تُسبب تعرقًا ليليًا مفرطًا، يرافقه فقدان غير مبرر في الوزن وحمى.

4. فرط نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي

قد يحدث نتيجة لحالات عصبية معقدة تؤثر على التحكم اللاإرادي في درجة حرارة الجسم والتعرق. هذه الحالات نادرة لكنها قد تتطلب تقييمًا عصبيًا متخصصًا.

العوامل المساعدة على تشخيص الحالة

لتحديد ما إذا كان التعرق الليلي طبيعيًا أو يحتاج إلى تقييم طبي، يمكن للطبيب الاعتماد على عدة مؤشرات، منها:

• موقع التعرق: تعرق الرأس فقط شائع وغير مقلق، أما التعرق المعمم فقد يدل على اضطراب عضوي.

• مدة استمرار الظاهرة: التعرق المؤقت غالبًا ما يكون مرتبطًا بعدوى أو تغير مناخي.

• وجود أعراض مرافقة: مثل الحمى، السعال، فقدان الوزن، أو تغيرات في السلوك.

• السياق الزمني: التعرق الليلي الذي يظهر فجأة بعد فترة من النوم الطبيعي قد يشير إلى وجود سبب طارئ أو مرضي.

الإجراءات الوقائية والعلاجية

تتضمن الخطوات الوقائية والعلاجية التي يمكن اتباعها لتقليل التعرق الليلي عند الأطفال ما يلي:

ضبط البيئة المحيطة

• الحفاظ على درجة حرارة غرفة النوم بين 20 إلى 22 درجة مئوية.

• استخدام ملابس نوم قطنية خفيفة قابلة للتهوية.

• تجنب البطانيات الثقيلة أو الأغطية الصناعية.

تقييم طبي شامل

إذا استمر التعرق لفترة طويلة أو كان مفرطًا بشكل غير طبيعي، فمن الأفضل مراجعة الطبيب الذي قد يوصي بإجراء بعض الفحوصات مثل:

• تحاليل الدم.

• صورة شعاعية للصدر.

• تخطيط القلب.

• تحليل هرمونات الغدة الدرقية.

تعديل النظام الغذائي

بعض الأطفال يتعرقون ليلًا نتيجة تناول أطعمة غنية بالتوابل أو الدهون قبل النوم. تعديل النظام الغذائي ليشمل وجبات خفيفة وخالية من المنبهات قد يساهم في تقليل التعرق.

علاج السبب الأساسي

عند التأكد من وجود حالة طبية مثل انقطاع النفس الليلي أو فرط نشاط الغدة الدرقية، يتم توجيه العلاج نحو الحالة الأصلية.

جدول توضيحي لأسباب التعرق الليلي عند الأطفال

الخلاصة

التعرق الليلي عند الأطفال غالبًا ما يكون ناتجًا عن عوامل طبيعية متعلقة بنمو الجهاز العصبي، أو ظروف محيطية بسيطة مثل ارتفاع حرارة الغرفة. في بعض الأحيان، قد يشير إلى حالات صحية تستدعي التقييم. الفهم الدقيق لأسباب التعرق، مع مراقبة الأعراض المصاحبة، هو المفتاح لتحديد الحاجة إلى تدخل طبي. التقييم المبكر، إلى جانب تعديلات بسيطة في نمط الحياة والبيئة المحيطة، كفيل بتحقيق راحة الطفل وطمأنينة الأهل.

المصادر والمراجع:

1. National Health Service (NHS). “Night sweats in children.” https://www.nhs.uk

2. American Academy of Pediatrics. “Understanding Your Child’s Night Sweats.” https://www.aap.org