أجمل أقوال المدح العربية

أجمل ما قيل في المدح

المدح هو فن من فنون القول، وركيزة أساسية في التعبير عن الامتنان والتقدير والإعجاب. وقد حظي المدح بمكانة مرموقة في التراث العربي خاصة، نظراً لطبيعته الشعورية المرتبطة بالكرم والشجاعة والحكمة والجمال، مما جعله أحد الأغراض الشعرية الأكثر تداولاً منذ العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا. والمدح لا يقتصر على تمجيد الأشخاص، بل يمتد إلى مدح الصفات والقيم والمواقف وحتى الأوطان، ما يجعله نصاً غنياً من حيث الأسلوب والدلالة.

المدح في التراث العربي

في العصور القديمة، كان المدح وسيلة هامة لتكريم الشخصيات البارزة كالملوك والقادة والفرسان، كما كان وسيلة للحصول على رضا الحكام أو لتخليد المآثر. وقد تطور المدح ليصبح فناً شعرياً مستقلاً، تجلّى في قصائد مطولة غنية بالتشبيهات والصور البلاغية، استخدمها الشعراء لتمجيد خصال الممدوح أو رفع منزلته الاجتماعية أو السياسية.

ومن أقدم النماذج البارزة في المدح ما قاله الشاعر الجاهلي النعمان بن المنذر في مدح كسرى أنوشروان، وقصائد زهير بن أبي سلمى في مدح قبائل الصلح، إضافة إلى ما كتبه حسان بن ثابت في مدح النبي محمد ﷺ، حيث أرسى نموذجاً راقياً في الجمع بين البلاغة والقداسة.

أشهر أقوال المدح في الأدب العربي

المدح في الأدب العربي لا يُقاس بطوله فقط، بل بعمقه وبلاغته وقدرته على نقل صفات الممدوح بأعلى درجات الجمال اللغوي. ومن أبرز ما قيل في هذا المجال:

“أنتَ الذي مازالَ مجدُكَ ساطعًا

وفي راحتيك البحرُ والأنواءُ”

هذه الأبيات تُظهر كيف يُجسِّد المدح حالة من العظمة تتعدى المألوف، فالممدوح لا يوصف بصفات عادية، بل يُشبَّه بعناصر كونية كالبحر والأنواء، ليبلغ أعلى مراتب الإجلال.

ومن أبلغ ما قيل في مدح الملوك:

“وما المالُ والأهلونَ إلا وديعةٌ

ولا بدَّ يومًا أن تُرَدَّ الودائعُ”

ولكنَّ خيرَ الزادِ مدحٌ تُخَلِّدُه

إذا غابَ عنكَ الذاكرونَ الشُّجَاعُ”

وفيها تأكيد على أن المديح قد يكون هو الباقي بعد زوال كل شيء، فهو يحمل صورة خالدة للممدوح لا تذروها الرياح ولا تطمسها السنون.

المدح كأداة ثقافية واجتماعية

لم يكن المدح مجرد فن لفظي، بل شكّل وسيلة للتأثير والتغيير الاجتماعي. فالشعراء كثيراً ما استخدموا المدح لتكريس قيم أخلاقية مثل الكرم والوفاء والشجاعة، فصار بذلك وسيلة تربوية تتجاوز حدود الترف اللفظي إلى التأثير العملي في مجتمعاتهم.

ومثال ذلك مدح الكرم، الذي كان وما زال من القيم التي يفتخر بها العرب، كما في قول الشاعر:

“إذا أنت أكرمت الكريمَ ملكتهُ

وإن أنت أكرمت اللئيمَ تمرّدَا”

هذا البيت الذي يُستشهد به كثيراً في كتب الأخلاق، يبرز كيف أن المدح قد يكون محفزًا للسلوك الإنساني، ومدخلاً لفهم فلسفة التعامل مع الآخرين.

المدح النبوي: نموذج سامٍ للثناء

يُعد مدح النبي محمد ﷺ أسمى أنواع المدائح وأكثرها أدباً وورعاً، حيث ارتقى بالمدح من الماديات إلى الروحانيات، ومن التملق إلى الإخلاص والمحبة. وقد أسهم شعراء كثر، أبرزهم حسان بن ثابت والبوصيري، في وضع مداميك ما يعرف بـ”المديح النبوي”.

ومن أشهر ما قيل في هذا السياق، قصيدة البوصيري “البردة”، التي خلدها التاريخ:

“محمدٌ سيدُ الكونينِ والثقلينِ

والفريقينِ من عربٍ ومن عجمِ”

“هو الحبيبُ الذي تُرجى شفاعتُهُ

لكلِّ هولٍ من الأهوالِ مقتَحِمِ”

المدح في هذا المستوى يتحوّل من مجرد كلمات إلى طقوس أدبية ووجدانية، يتجلى فيها الإيمان، ويتحول الثناء إلى عبادة شعورية.

مدح المرأة: احتفاء بالجمال والروح

حظي مدح المرأة بمكانة مهمة في الشعر العربي، حيث تناول الشعراء جمالها الخارجي وخصالها الداخلية برقة وعذوبة. ومن أجمل ما قيل في هذا السياق، بيت عنترة بن شداد في مدح عبلة:

“ولقد ذكرتُكِ والرماحُ نواهلٌ

مني وبيضُ الهندِ تقطرُ من دمي”

هذا البيت يجمع بين صورة الحرب والحب، ويعكس كيف أن الشجاعة يمكن أن تتغذى من صورة الحبيبة، فيصبح المدح طاقة روحية تعبر حتى ساحات القتال.

مدح الأصدقاء: وفاء وعرفان

من الأغراض التي أبدع فيها الأدب العربي كذلك، مدح الأصدقاء والرفاق، وتقدير إخلاصهم ومواقفهم النبيلة. وتأتي هذه النصوص غالبًا مشبعة بالصدق والعاطفة، كما في قول المتنبي:

“إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكته

وإن أنت أكرمتَ اللئيمَ تمرّدا”

“ومن يجعلِ المعروفَ في غيرِ أهله

يكن حمدُه ذمًا عليه ويندَمِ”

ويمثّل هذا النوع من المدح صورة عاكسة للثقافة الأخلاقية العربية التي تعتبر الوفاء من أعلى مراتب الفضل.

المدح في العصر الحديث

في العصر الحديث، استمر المدح بأشكال متنوعة، فظهر في الشعر والنثر والخطابة والرواية والمقالة. وقد أصبح المدح وسيلة للتأثير الإعلامي والثقافي، يستخدم لتكريم العلماء، والمبدعين، والزعماء، وحتى الشعوب. وتميل الأساليب الحديثة إلى استخدام تعبيرات مباشرة، وأقل زخرفة، لكنها تبقى محتفظة بروح الاحترام والتقدير.

ومن النماذج البارزة في المدح الحديث ما يُقال في تكريم الرواد، مثل:

“لقد أسهم بعلمه وجهده في رفع راية الوطن، وأضاء بعقله طريقًا لآلاف الشباب. هو المثال والنموذج لما يجب أن يكون عليه الإنسان في مجتمعه.”

مثل هذه العبارات تُظهر أن المدح لم يعد محصورًا في الشعر أو الأدب، بل أصبح أسلوبًا خطابيًا مؤثرًا يُستخدم في المحافل الرسمية، ووسائل الإعلام، والكتابات المعاصرة.

خصائص أسلوب المدح الأدبي

يتّسم أسلوب المدح بعدة سمات تجعل منه أحد أرقى أشكال التعبير الأدبي، ومن أبرزها:

• المبالغة المقبولة: تُستخدم لتضخيم الصفات الجميلة في الممدوح دون تجاوز حدود المعقول.

• التشبيه والاستعارة: غالبًا ما يُشبه الممدوح بأشياء عظيمة كالأسد، الشمس، البحر.

• الإيقاع الموسيقي: خاصّة في الشعر، يعزز من تأثير المدح ويجعل النص عالقًا في الذاكرة.

• استخدام اللغة الفصحى الرفيعة: لأن المدح يرتبط بالوقار، فإن بلاغة اللغة تعكس عمق التقدير.

• البعد الأخلاقي: في كثير من الأحيان، يُستخدم المدح لتكريس قيمة، لا مجرد شخص، كقولهم: “ما أكرمَ من لا يردُّ سائلاً.”

جدول: أنواع المدح ومجالاته

أثر المدح على النفس والمجتمع

للمدح أثر عميق في النفس، إذ يمنح الشخص شعوراً بالتقدير والاحترام، ويعزز من ثقته بذاته. وعندما يكون المدح صادقًا ومبنيًا على صفات حقيقية، فإنه يسهم في بناء روابط إنسانية أقوى ويشجع الآخرين على الاقتداء بالقيم النبيلة. أما على الصعيد المجتمعي، فالمدح يرسّخ قيم التعاون والإحسان والاعتراف بالفضل، ما يخلق بيئة صحية تنمو فيها الفضائل والسلوكيات الإيجابية.

الخاتمة

المدح ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو تعبير عن الوعي الجمعي للمجتمعات، وتوثيق لقيمها ومُثلها العليا. ومن خلاله، يُعاد رسم ملامح الأشخاص والمواقف، ويُعاد تشكيل الذاكرة الجمعية بطريقة تمجّد الخير، وتحث على السير في دروبه. فسواء أكان شعرًا فصيحًا، أم خطبةً بليغة، أم نصًا نثريًا هادئًا، يبقى المدح مرآة تعكس أجمل ما في الإنسان من حب وتقدير ووفاء.

المراجع:

• الجاحظ، البيان والتبيين، دار المعارف، القاهرة.

• ابن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه.