هل المغرب آمن؟

يُعدّ المغرب من أبرز الوجهات السياحية في شمال إفريقيا، حيث يجمع بين عبق التاريخ وتنوع الجغرافيا وغنى الثقافة، مما يجعله قبلةً مفضلة لملايين السياح من مختلف أنحاء العالم سنويًا. ولكن مع تصاعد اهتمام المسافرين بالسلامة الشخصية، تبرز أهمية تقييم مستوى الأمان في هذه الدولة قبل اتخاذ قرار السفر إليها. وعلى الرغم من بعض التصورات النمطية أو الحالات الفردية التي قد تُثير القلق، فإن الصورة الشاملة التي تعكسها المؤشرات الأمنية والتقارير الدولية تكشف أن المغرب يُعتبر بوجهٍ عام بلدًا آمنًا للسفر، مع بعض التحفظات التي تستدعي الحذر الطبيعي في بعض المناطق أو الظروف.

نظرة عامة على الأمن في المغرب

يصنف المغرب ضمن الدول المستقرة سياسيًا وأمنيًا في المنطقة العربية وشمال إفريقيا. يتمتع بنظام أمني منظم ومؤسسات أمنية فعالة، مع سجل قوي في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. وفقًا لتقرير مؤشر السلام العالمي (Global Peace Index) الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، يحتل المغرب ترتيبًا متقدمًا نسبيًا مقارنة بجيرانه الإقليميين، ويُظهر تقدمًا ملحوظًا في مؤشرات الأمن العام، والاستقرار السياسي، وانخفاض معدل الجرائم العنيفة.

يستثمر المغرب موارد كبيرة في تحديث قطاعه الأمني وتعزيز الرقابة في المناطق السياحية، مثل مراكش، وأغادير، وفاس، والدار البيضاء، وتطوان. وغالبًا ما تُوصف هذه المدن بأنها آمنة للسياح، مع حضور أمني مرئي في المناطق العامة والأسواق التاريخية وأماكن الجذب السياحي.

الجريمة في المغرب: طبيعتها وانتشارها

كما في جميع البلدان، توجد جرائم في المغرب، إلا أن طبيعتها في الغالب غير عنيفة. أكثر الجرائم شيوعًا تشمل النشل، الاحتيال، والسرقة من السياح، خاصة في المناطق المزدحمة كالساحات والأسواق المفتوحة. وتزداد هذه الحوادث في بعض المدن الكبرى مثل الدار البيضاء ومراكش، خصوصًا في الأحياء الشعبية.

ينصح السياح بتوخي الحذر واتخاذ احتياطات بسيطة مثل عدم حمل مبالغ مالية كبيرة، وتجنب إظهار الأجهزة الإلكترونية باهظة الثمن، واستعمال حقائب يصعب فتحها، وعدم السير في الأزقة الضيقة ليلاً، خاصة خارج المناطق السياحية الرئيسية.

السلامة الشخصية والاجتماعية للسياح

من حيث السلامة الشخصية، يعتبر المغرب وجهةً مضيافة، حيث يُعرف الشعب المغربي بكرم الضيافة والترحيب بالزوار. ومع ذلك، قد تواجه بعض الفئات تحديات خاصة تستدعي الانتباه، مثل:

• السائحات الإناث: رغم أن المغرب يُعد بلدًا محافظًا، إلا أن السائحات غالبًا ما يُقابلن بترحاب. مع ذلك، قد تتعرض بعض النساء لتعليقات لفظية أو مواقف غير مريحة، خاصة في الأماكن الأقل تنظيمًا. ارتداء ملابس محتشمة وتجنب السير منفردات في أماكن معزولة يخفف كثيرًا من هذه الإشكالات.

• المسافرون من مجتمع الميم (LGBTQ+): لا تزال العلاقات الجنسية بين أفراد نفس الجنس غير قانونية في المغرب، وقد يُواجه أفراد هذه الفئة بعض التحديات أو المضايقات. يُنصح بالتحفظ واحترام القوانين المحلية.

• السلامة للرحالة والمنفردين: يُعد السفر الفردي إلى المغرب آمنًا عمومًا، مع وجود بنية تحتية سياحية متقدمة تدعم هذا النوع من السياحة. ومع ذلك، فإن التخطيط الجيد ومعرفة العادات المحلية تسهم في تجنب المواقف غير المريحة.

الإرهاب والتهديدات الأمنية الكبرى

منذ بداية الألفية، اتخذ المغرب خطوات صارمة في مكافحة الإرهاب، عبر اعتماد سياسة أمنية استباقية ومراقبة متقدمة. ومنذ الهجمات التي شهدتها مدينة الدار البيضاء عام 2003، كثّفت السلطات من الإجراءات الأمنية، وأسست أجهزة متخصصة في مكافحة الإرهاب مثل المكتب المركزي للأبحاث القضائية (BCIJ).

يتم تنسيق التعاون الأمني بين المغرب ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في إطار تبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريب والمراقبة الإلكترونية، مما يجعل المغرب من الدول ذات التصنيف المرتفع في الوقاية من التهديدات الإرهابية.

البنية التحتية الصحية وسلامة الغذاء

المغرب يتمتع بنظام صحي جيد نسبيًا في المدن الكبرى، وتتوفر مراكز طبية حديثة في الدار البيضاء، الرباط، مراكش وغيرها. تتوفر الصيدليات بكثرة وتعمل وفق نظام تنظيمي يضمن جودة الأدوية.

أما من ناحية الغذاء، فالمطبخ المغربي غني بالنكهات ويُعد من أكثر المطابخ تنوعًا في العالم. ومع ذلك، فإن بعض المسافرين قد يواجهون مشاكل هضمية عند تناول أطعمة الشوارع غير المطهية جيدًا أو المياه غير المعبأة. من المستحسن دائمًا شرب المياه المعدنية وتناول الطعام في أماكن موثوقة.

التنقل والسلامة المرورية

تتنوع وسائل النقل في المغرب بين الحافلات، سيارات الأجرة، والقطارات. تعتبر السكك الحديدية المغربية من بين الأفضل في إفريقيا، خاصة مع وجود قطار البراق فائق السرعة بين الدار البيضاء وطنجة.

ومع ذلك، فإن بعض التحديات المرورية مثل عدم احترام إشارات المرور من قبل السائقين المحليين أو الازدحام في ساعات الذروة قد تسبب إرباكًا للزوار. ينصح باستخدام وسائل النقل المنظمة أو التطبيقات الذكية مثل “Careem” و”Uber” في المدن الكبرى.

الكوارث الطبيعية والبيئية

بصفة عامة، لا يُعد المغرب من البلدان المعرضة بشدة للكوارث الطبيعية. ومع ذلك، هناك احتمالية محدودة لوقوع زلازل في مناطق مثل جبال الأطلس، كما قد تشهد بعض المناطق الصحراوية ارتفاعًا كبيرًا في درجات الحرارة خلال الصيف. كذلك، قد تعرف بعض المناطق الجبلية تساقطات ثلجية كثيفة شتاءً، تؤثر على التنقل.

فيما يخص السلامة البيئية، فإن تلوث الهواء في المدن الصناعية الكبرى مثل الدار البيضاء والقنيطرة قد يكون ملموسًا، لكنّه لا يصل إلى مستويات حرجة. ويُعد المغرب من الدول المتقدمة في استخدام الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية والريحية.

مستوى الأمان في الوجهات السياحية الرئيسية

التوصيات العامة للسياح

لضمان تجربة سفر آمنة إلى المغرب، يُستحسن اتباع بعض الإرشادات العامة، أبرزها:

• حمل نسخة من جواز السفر وترك النسخة الأصلية في مكان آمن.

• تسجيل مكان الإقامة لدى السلطات عند الوصول، خاصة في حال الإقامة لدى عائلات.

• التعامل مع الأدلاء السياحيين المرخصين وتفادي العروض العشوائية.

• تجنب النقاشات السياسية أو الدينية الحساسة في الأماكن العامة.

• استخدام التطبيقات الذكية للتنقل أو حجز الإقامة.

• احترام العادات والتقاليد الاجتماعية المحلية.

تقييم المؤسسات الدولية

أشارت تقارير دولية عديدة إلى أن المغرب يُعد من الوجهات الآمنة نسبيًا في المنطقة. من ضمن هذه المؤسسات:

• وزارة الخارجية الأمريكية تصنّف المغرب في المستوى 2 من 4، أي “اتخذ الحذر المعتاد”، وهو نفس التصنيف الذي يُمنح لدول أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا.

• منظمة السياحة العالمية تعتبر المغرب من أكثر الوجهات استقرارًا في إفريقيا.

• مؤشر Numbeo للأمان يصنف المدن المغربية الكبرى بدرجة جيدة في معايير الأمان العام، مع انخفاض معدل الجرائم العنيفة.

السياحة المستدامة وتأثيرها على السلامة

تبنّى المغرب سياسات تشجع السياحة المستدامة، حيث تعزز الاستثمارات في البنية التحتية السياحية من مستوى الأمان من خلال توفير مرافق أفضل، وزيادة التوظيف، وتعزيز الرقابة. هذا الاتجاه يقلل من الاحتكاك السلبي بين السكان والزوار، ويوفر بيئة أكثر أمانًا للسياحة الدولية.

خاتمة

يُمكن القول إن المغرب بلد يتمتع بدرجة عالية من الأمان للسياح، شرط الالتزام بالاحتياطات الأساسية وتقدير الفروق الثقافية والاجتماعية. تتسم المدن السياحية بالبنية التحتية الجيدة والوجود الأمني الفعال، كما أن الشعب المغربي يتميز بالود والضيافة. ومع تقييم المخاطر النسبي، يبقى المغرب وجهة تستحق الزيارة، تجمع بين الأمان، والثقافة، والتاريخ، والطبيعة.

المصادر والمراجع:

1. Global Peace Index – Institute for Economics and Peace

2. وزارة الخارجية الأمريكية – Travel Advisories

3. Numbeo – Safety Index by Country

4. Morocco Tourism Observatory – National Reports

5. المكتب المركزي للأبحاث القضائية BCIJ

6. منظمة السياحة العالمية – بيانات إفريقيا الشمالية