انخفاض وزن الحامل: الأسباب والمخاطر

هل يقل وزن الحامل؟ الأسباب والتفسيرات العلمية والنصائح الطبية

تُعد فترة الحمل من أكثر المراحل تعقيدًا في حياة المرأة، حيث تشهد تغيّرات فسيولوجية، هرمونية، ونفسية كبيرة. ومن المعروف أن زيادة الوزن أثناء الحمل تُعد ظاهرة شائعة ومألوفة، بل ومؤشرًا على تطور الحمل ونمو الجنين. غير أن بعض النساء قد يلاحظن فقدانًا في الوزن خلال هذه المرحلة، ما يثير قلقهن وتساؤلاتهن حول مدى طبيعية هذه الظاهرة وتأثيرها على صحة الأم والجنين. يتناول هذا المقال الأسباب المحتملة لفقدان الوزن أثناء الحمل، المراحل الزمنية التي يمكن أن يحدث فيها، مدى خطورته أو طبيعته، وكيفية التعامل معه طبيًا وتغذويًا.

أولًا: الفقدان الطبيعي للوزن في بداية الحمل

في الثلث الأول من الحمل (أي خلال أول 12 أسبوعًا)، تعاني الكثير من النساء من أعراض الغثيان الصباحي، التقيؤ، فقدان الشهية، واضطرابات المعدة. هذه الأعراض قد تؤدي إلى نقص في كمية السعرات الحرارية المستهلكة، وبالتالي إلى فقدان طفيف في الوزن. وفي هذا السياق، يُعد فقدان الوزن بمعدل 1 إلى 3 كيلوغرامات خلال هذه المرحلة أمرًا شائعًا ولا يدعو للقلق في غالب الأحيان، طالما كانت المرأة تتلقى تغذية كافية ولا تظهر مؤشرات على سوء التغذية أو الجفاف.

ثانيًا: الأسباب المرضية لفقدان الوزن أثناء الحمل

رغم أن فقدان الوزن في بداية الحمل قد يكون طبيعيًا، إلا أن استمرار هذا الفقدان أو حدوثه في مراحل متقدمة قد يكون مؤشرًا على وجود مشكلة صحية أو تغذوية. وفيما يلي أبرز الأسباب المرضية التي قد تقف وراء هذه الظاهرة:

1. التقيؤ المفرط الحملي (Hyperemesis Gravidarum)

يعد هذا المرض من أكثر أسباب فقدان الوزن خلال الحمل شهرة وخطورة، وهو يتمثل في تقيؤ متكرر ومستمر يمنع المرأة من تناول الطعام أو الاحتفاظ به في المعدة. هذه الحالة قد تؤدي إلى فقدان سريع للوزن، جفاف حاد، اختلال في التوازن الكهربي للجسم، وتطلب غالبًا التدخل الطبي العاجل والتغذية الوريدية.

2. اضطرابات الجهاز الهضمي

بعض النساء يعانين من حالات مزمنة كالتهاب المعدة، متلازمة القولون العصبي، أو داء كرون، ما قد يُفاقم الأعراض الهضمية خلال الحمل ويؤدي إلى فقدان الشهية وسوء الامتصاص، وبالتالي انخفاض الوزن.

3. السكري غير المشخّص أو غير المُراقب

بعض أنواع السكري، خاصة السكري من النوع الأول، يمكن أن تسبب فقدانًا غير مبرر في الوزن بسبب فقدان الجسم القدرة على استخدام الجلوكوز كمصدر للطاقة، مما يدفعه إلى تكسير الدهون والعضلات.

4. اضطرابات الغدة الدرقية

فرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism) يؤدي إلى تسريع عمليات الأيض، مما ينتج عنه فقدان للوزن على الرغم من الشهية المفتوحة، ويجب أن يُعالج بحذر خلال الحمل لتجنّب المضاعفات.

5. الاضطرابات النفسية كالاكتئاب أو القلق الشديد

الحالة النفسية تلعب دورًا رئيسيًا في الشهية والتغذية، وقد تؤدي الاضطرابات النفسية إلى الإهمال الغذائي، أو حتى اضطرابات الأكل مثل فقدان الشهية العصبي، وهو ما يهدد صحة الأم والجنين معًا.

ثالثًا: فقدان الوزن في الثلث الثاني والثالث من الحمل

مع دخول المرأة في الثلث الثاني من الحمل، من المفترض أن يبدأ وزنها بالزيادة نتيجة نمو الجنين، وزيادة حجم الرحم، والمشيمة، والسوائل الأمينية، واحتباس الماء في الجسم. في حال حدوث فقدان للوزن في هذه المرحلة أو المرحلة الثالثة، فإن الأمر يستدعي تقييمًا طبيًا شاملًا. والسبب في ذلك أن هذه المراحل من الحمل تمثل ذروة الاحتياجات الغذائية للجنين، وأي قصور في وزن الأم قد ينعكس مباشرة على نمو الجنين، ويزيد من مخاطر الولادة المبكرة، وانخفاض وزن المولود عند الولادة، واضطرابات في نمو الدماغ والجهاز العصبي.

رابعًا: تقييم الوضع الصحي للحامل

عند رصد فقدان للوزن خلال الحمل، يقوم الأطباء بعدة خطوات لتحديد الأسباب المحتملة وتقدير المخاطر:

• قياس مؤشر كتلة الجسم (BMI) قبل وأثناء الحمل.

• التحاليل المخبرية للكشف عن فقر الدم، اضطرابات الكهارل، مؤشرات العدوى، وفحوصات الكبد والكلى.

• تحليل هرمونات الغدة الدرقية TSH وFT4.

• تصوير الجنين بالموجات فوق الصوتية لمتابعة نموه وحجمه.

• التقييم الغذائي والنفسي بالتعاون مع أخصائيي التغذية والصحة النفسية.

خامسًا: التغذية العلاجية ودورها في التحكم بالوزن خلال الحمل

التغذية المتوازنة تُعد العمود الفقري لصحة الحامل، وتؤثر بشكل مباشر على وزنها ووزن جنينها. يجب على الحوامل اللواتي يعانين من فقدان الوزن أن يتبعن نظامًا غذائيًا غنيًا بالسعرات الحرارية، لكن في الوقت نفسه صحي ومتوازن. وتشمل التوصيات ما يلي:

• زيادة عدد الوجبات إلى خمس أو ست وجبات صغيرة يوميًا لتفادي الشعور بالامتلاء.

• التركيز على البروتينات كاللحوم الخالية من الدهون، الدجاج، البيض، والبقوليات.

• تناول الدهون الصحية مثل زيت الزيتون، الأفوكادو، والمكسرات.

• إدخال الكربوهيدرات المعقدة مثل الشوفان، الأرز البني، والخبز الكامل.

• الإكثار من السوائل، خصوصًا الماء، والعصائر الطبيعية، مع تقليل المشروبات التي تسبب الغثيان.

• المكملات الغذائية مثل فيتامينات الحمل، الحديد، الكالسيوم، والأوميغا 3 تحت إشراف الطبيب.

سادسًا: الفروقات الفردية والحمل المتعدد

يجدر التنويه إلى أن طبيعة الحمل تختلف من امرأة لأخرى، كما أن الحمل بتوأم أو أكثر يُعد عاملًا يزيد من الضغط الغذائي والفيزيولوجي على جسم المرأة. في حالات الحمل المتعدد، قد تزداد معدلات فقدان الوزن في البداية بسبب الإرهاق الزائد، ولكن بعد ذلك يتوجب أن تكون الزيادة في الوزن أكبر من الحمل بجنين واحد لتعويض المتطلبات الغذائية المضاعفة.

سابعًا: جدول مقارنة بين زيادة الوزن الطبيعية وفقدان الوزن خلال الحمل

ثامنًا: الإشراف الطبي المستمر والتدخل المبكر

فقدان الوزن خلال الحمل ليس دائمًا مؤشرًا خطرًا، ولكنه يستحق المتابعة الدقيقة لتجنب العواقب المحتملة. تتطلب هذه الحالات تواصلاً مستمرًا مع الطبيب المختص، واللجوء إلى تقييمات دورية للجنين من حيث الوزن، النمو، وتدفق الدم من المشيمة. كما يُنصح بالاستعانة بأخصائيي تغذية متخصصين في الحمل لضمان توفير احتياجات الأم والجنين من العناصر الغذائية الأساسية.

تاسعًا: تأثير فقدان الوزن على الجنين

تشير الدراسات إلى أن فقدان الوزن الحاد خلال الحمل، خاصة في الثلث الثاني والثالث، قد يؤدي إلى نتائج سلبية تشمل:

• ولادة أطفال منخفضي الوزن (أقل من 2.5 كجم).

• احتمالية تأخر النمو داخل الرحم (IUGR).

• زيادة خطر الولادة المبكرة.

• نقص تطور الدماغ والمناعة لدى الطفل.

• صعوبات في الرضاعة الطبيعية بعد الولادة.

لذلك، فإن التحكم في الوزن لا يجب أن يكون هدفًا أثناء الحمل، بل يجب أن يتركز الجهد على توفير التغذية المثلى للأم والجنين.

عاشرًا: التوصيات الختامية للنساء الحوامل

• يجب على كل امرأة حامل متابعة وزنها بشكل دوري بالتزامن مع الفحوصات الدورية.

• لا يجب تجاهل أي فقدان مفاجئ أو غير مبرر في الوزن.

• الامتناع عن اتباع أي نظام غذائي للتنحيف خلال الحمل.

• التوازن الغذائي هو المفتاح وليس الإفراط في الأكل أو الجوع.

• الحرص على الحصول على دعم نفسي في حال وجود أعراض قلق أو اكتئاب.

المراجع

1. American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG). “Nutrition During Pregnancy.” www.acog.org

2. National Health Service (NHS) UK. “Weight Loss in Pregnancy.” www.nhs.uk

هل ترغب بمقال مشابه عن “زيادة الوزن المفرطة أثناء الحمل”؟