داء الملوك: الأسباب والعلاج

داء الملوك: التعريف والأسباب والتاريخ

يُعرف داء الملوك، أو كما يُسمى أيضاً “النقرس”، بأنه أحد الأمراض التي تصيب المفاصل، وتتميز بنوبات ألم شديدة تظهر عادة في المفصل الكبير للإبهام. يعتبر هذا المرض من أقدم الأمراض التي عرفها الإنسان، وقد وصفه الأطباء في العصور القديمة بطرق مختلفة. إلا أن اسمه الشائع “داء الملوك” يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخه العريق، الذي يتسم بانتشاره بين الطبقات العليا في المجتمع، وهو ما يبرر تسميته بهذا الاسم.

تعريف داء الملوك

داء الملوك هو نوع من أنواع التهاب المفاصل الحاد الذي ينتج عن تراكم بلورات حمض اليوريك في المفاصل، مما يؤدي إلى شعور قوي بالألم والالتهاب. حمض اليوريك هو منتج ناتج عن تحلل البيورينات، وهي مركبات توجد بشكل طبيعي في العديد من الأطعمة، مثل اللحوم الحمراء والمأكولات البحرية. عندما يرتفع مستوى حمض اليوريك في الدم بشكل مفرط، يتراكم في المفاصل على شكل بلورات تسبب التورم، والألم الشديد، والاحمرار.

أسباب الإصابة بداء الملوك

يحدث داء الملوك عادة بسبب تراكم حمض اليوريك في الدم، وهي حالة تُعرف علمياً بفرط حمض يوريك الدم. لكن هناك عدة عوامل تسهم في حدوث هذا المرض:

1. الوراثة: وجود تاريخ عائلي للإصابة بالنقرس يمكن أن يزيد من احتمالية الإصابة بالمرض. هناك عوامل جينية تؤثر على كيفية معالجة الجسم للبيورينات وحمض اليوريك.

2. النظام الغذائي: الأطعمة الغنية بالبيورينات، مثل اللحوم الحمراء، والمأكولات البحرية، والمشروبات الكحولية، وخاصة البيرة، يمكن أن تزيد من مستويات حمض اليوريك في الدم. كذلك، يُعتقد أن تناول كميات كبيرة من السكر والمشروبات الغازية قد يلعب دوراً في ذلك.

3. السمنة: الأشخاص الذين يعانون من السمنة يكون لديهم مستويات أعلى من حمض اليوريك في الدم، حيث يؤدي الوزن الزائد إلى إبطاء قدرة الجسم على التخلص من الحمض الزائد.

4. الأدوية: بعض الأدوية قد تساهم في زيادة مستويات حمض اليوريك في الدم، مثل الأدوية المدرة للبول التي تُستخدم لعلاج ارتفاع ضغط الدم.

5. أمراض أخرى: هناك بعض الأمراض التي يمكن أن تساهم في رفع مستويات حمض اليوريك، مثل ارتفاع ضغط الدم، وأمراض الكلى، وبعض مشاكل الغدد.

6. الجفاف: نقص السوائل في الجسم قد يزيد من تراكم حمض اليوريك، وبالتالي يرفع احتمالية الإصابة بداء الملوك.

التاريخ الطبي لداء الملوك

يُعتبر داء الملوك من أقدم الأمراض التي تم التعرف عليها. يذكر التاريخ أن هذا المرض كان يُعرف في العصور القديمة، وكان يُعتقد في البداية أنه بسبب “الوقوع في الخطيئة” أو “الإفراط في الأكل والشرب”. وقد كانت الطبقات الغنية والنبلاء هم الأكثر عرضة لهذا المرض، حيث كانوا يفرطون في تناول اللحوم والأطعمة الدهنية والكحول. وعليه، تم إعطاء المرض لقب “داء الملوك”، بسبب ارتباطه بنمط حياة الأثرياء في تلك الفترات الزمنية.

تعود أقدم الإشارات إلى داء الملوك إلى العصور اليونانية والرومانية. فقد سجل الفيلسوف اليوناني أبقراط في القرن الخامس قبل الميلاد وصفاً دقيقاً لأعراض المرض، بما في ذلك الألم الشديد في المفاصل. كما أشار إلى أن المرض يؤثر غالباً في قدم الإنسان، وخاصة المفصل الكبير للإبهام، وهو ما أصبح يُعرف اليوم بالنقرس.

في العصور الوسطى، استمر داء الملوك في الظهور بين الطبقات النبيلة، حيث كانت الخمور واللحوم الحمراء من الوجبات الأساسية لهم. وقد كان الأطباء في تلك الحقبة يعتقدون أن المرض مرتبط بالثراء والترف، وكان يُنظر إليه على أنه دلالة على العيش في رفاهية، وهو ما عزز من شهرة المرض كـ “داء الملوك”.

الأعراض والعلامات

يتميز داء الملوك بنوبات مفاجئة من الألم الشديد في المفاصل، والتي تبدأ عادة في المفصل الكبير للإبهام. قد تبدأ الأعراض بشكل مفاجئ في منتصف الليل، مع شعور بالفزع بسبب شدة الألم، ويصاحب ذلك تورم في المفصل واحمرار.

الأعراض الرئيسية تشمل:

1. ألم حاد ومفاجئ في المفصل: يبدأ عادة في المفصل الكبير للإبهام، لكنه يمكن أن يؤثر على مفاصل أخرى مثل الركبتين، والمعصمين، والكاحلين.

2. التورم: يحدث تورم واضح في المفصل المتأثر، مما يجعل الحركة مؤلمة جداً.

3. الاحمرار والدفء: تصبح المنطقة المتأثرة دافئة وملتهبة، ويظهر احمرار واضح.

4. الحساسية الشديدة: حتى اللمسات البسيطة قد تزيد من الألم، مما يجعل أي حركة غير ممكنة.

5. التصلب: مع تقدم المرض، قد يلاحظ المصاب صعوبة في تحريك المفصل المصاب بسبب التصلب الناتج عن تراكم البلورات.

التشخيص والعلاج

لتشخيص داء الملوك، يقوم الأطباء عادة بالفحص السريري للمفصل المتأثر، بالإضافة إلى طلب بعض الفحوصات المخبرية. من أبرز الفحوصات المستخدمة لتشخيص المرض:

• تحليل الدم: لقياس مستويات حمض اليوريك في الدم.

• تحليل سائل المفصل: يتم سحب سائل من المفصل المتأثر لتحليله بحثاً عن بلورات حمض اليوريك.

• الأشعة السينية: لتقييم حالة المفاصل والتأكد من وجود تلف طويل الأمد.

أما بالنسبة للعلاج، فيهدف إلى تقليل الألم والتورم، ومنع النوبات المستقبلية. يتم ذلك باستخدام أدوية مضادة للالتهابات غير الستيرويدية (NSAIDs)، مثل الإيبوبروفين أو نابروكسين، بالإضافة إلى أدوية لتقليل مستوى حمض اليوريك في الدم مثل “ألوبيورينول” و”فيبوكسوستات”. قد يُوصى أيضاً بتغيير النظام الغذائي للحد من تناول الأطعمة الغنية بالبيورينات، مع الإكثار من شرب الماء للحفاظ على الترطيب.

الوقاية من داء الملوك

رغم أنه قد يكون من الصعب منع داء الملوك بشكل كامل، إلا أن هناك خطوات يمكن اتخاذها للحد من فرص الإصابة أو لتقليل تكرار النوبات:

1. تعديل النظام الغذائي: التقليل من تناول الأطعمة الغنية بالبيورينات مثل اللحوم الحمراء، المأكولات البحرية، والمشروبات الكحولية.

2. ممارسة الرياضة: الحفاظ على وزن صحي من خلال ممارسة الرياضة بانتظام يمكن أن يساعد في تقليل خطر الإصابة.

3. الترطيب الجيد: شرب كميات كافية من الماء للحفاظ على مستوى منخفض من حمض اليوريك في الدم.

4. تجنب الأدوية المدرة للبول: إذا كان الشخص يتناول أدوية مدرة للبول، يجب استشارة الطبيب حول البدائل الممكنة.

الخلاصة

يُعد داء الملوك أحد الأمراض المزمنة التي تتطلب متابعة طبية وعلاجاً مستمراً. رغم تسميته “داء الملوك”، إلا أن الأسباب الأساسية للإصابة به تتعلق بأسلوب الحياة والعوامل الوراثية أكثر من ارتباطه بالثراء أو الترف. إن الفهم الجيد لهذا المرض، بالإضافة إلى الوقاية والعلاج المناسب، يمكن أن يساعد في الحد من تأثيره على حياة الأفراد.