أكثر 4 مناطق برودة في العالم
تعتبر درجة الحرارة أحد العوامل الطبيعية التي تؤثر بشكل كبير على الحياة البرية والبشرية في مختلف أنحاء العالم. في حين أن العديد من المناطق تتمتع بمناخ دافئ ومعتدل، فإن هناك مناطق أخرى تشهد درجات حرارة منخفضة بشكل غير عادي، قد تصل إلى مستويات خطيرة يصعب التعايش معها. هذه المناطق هي من بين الأماكن الأكثر برودة على وجه الأرض، حيث تتراوح درجات الحرارة فيها إلى حد يجعلها مناطق قاسية وعوامل الحياة فيها تكون شديدة التحدي. في هذا المقال، سنستعرض أكثر 4 مناطق برودة في العالم ونلقي الضوء على تأثير هذه البرودة على الحياة في تلك الأماكن.
1. قمة جبل إيفرست – نيبال (منطقة القطب الشمالي)
يعتبر جبل إيفرست، أعلى قمة جبلية في العالم بارتفاع يبلغ 8,848 مترًا فوق سطح البحر، واحدًا من أكثر الأماكن برودة على وجه الأرض. يقع في سلسلة جبال الهيمالايا على الحدود بين نيبال والتبت، ويمثل تحديًا هائلًا للمتسلقين بسبب الرياح العاتية والظروف المناخية القاسية.
في قمة جبل إيفرست، يمكن أن تصل درجات الحرارة في الشتاء إلى -60 درجة مئوية، حيث يتعرض المتسلقون لرياح شديدة تصل سرعتها إلى 200 كيلومتر في الساعة. هناك فرق كبير بين درجات الحرارة في أسفل الجبل وأعلى القمة؛ ففي حين أن درجة الحرارة في قاعدة الجبل قد تكون معتدلة، فإن درجات الحرارة في القمة تكون أكثر قسوة على المستوى الجوي.
تعمل هذه الظروف على تقليل الأوكسجين المتاح، مما يجعل التنفس أمرًا صعبًا، وهو ما يزيد من خطر الإصابة بالمرض المرتفع، مثل تورم الرئة أو الدماغ بسبب نقص الأوكسجين. إضافة إلى ذلك، تمثل الرياح القوية والثلوج المستمرة خطورة كبيرة على المتسلقين، حيث يمكن أن تتسبب في الجفاف الشديد، وتجميد الأنسجة البشرية، بل وقد تؤدي إلى الوفاة في حال لم يتم اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
2. أوشيا – روسيا
أوشيا هي واحدة من أبرد الأماكن على وجه الأرض، حيث تقع في منطقة سيبيريا الروسية، وتعتبر موطنًا لبعض من أقسى الظروف المناخية في العالم. في هذه المنطقة، يتم تسجيل درجات حرارة متدنية للغاية، تصل أحيانًا إلى -67.7 درجة مئوية، مما يجعلها أحد أكثر الأماكن برودة في العالم.
تُعرف أوشيا بوجود عوامل مناخية تتسم بالشتاء الطويل والبارد، حيث قد تستمر درجات الحرارة تحت الصفر لعدة أشهر متواصلة. في هذه الأجواء الجليدية، يعتمد السكان المحليون على تأقلم طويل الأمد مع الطقس القاسي، حيث يقومون بتكييف أساليب حياتهم وأساليب البناء لمقاومة العوامل الجوية الصعبة.
كما أن هذه المنطقة تتمتع بظروف طقس قاسية حيث يتشكل الضباب الثلجي الكثيف الذي يجعل الرؤية شبه معدومة. في حال كان هناك ما يكفي من الثلوج، يمكن أن يغطي الثلج طبقات سميكة من الأرض، مما يعزل الحياة البرية عن بيئاتها المعتادة. هذا يجعل الحياة في هذه المنطقة تحديًا كبيرًا، حيث يضطر السكان المحليون إلى الاعتماد على مواردهم الطبيعية ومهاراتهم في التكيف مع البرد الشديد.
3. القطب الشمالي (منطقة القطب المتجمد الشمالي)
القطب الشمالي هو أحد أبرز الأماكن التي تتمتع ببرودة غير عادية. يمتد القطب الشمالي عبر المحيط المتجمد الشمالي، حيث تصل درجات الحرارة إلى مستويات شديدة الانخفاض، خاصة في فصل الشتاء، حيث قد تنخفض إلى ما دون -50 درجة مئوية في بعض الأحيان. تساهم الرياح القطبية والثلوج الكثيفة في جعل هذه المنطقة من أكثر الأماكن قسوة في العالم.
تختلف درجات الحرارة في هذه المنطقة بشكل ملحوظ حسب فصول السنة، حيث تكون أشد البرودة في شهور الشتاء عندما يكون الليل مستمرًا طوال الوقت تقريبًا. في هذه الظروف، يعيش سكان المنطقة الأصليون مثل الإسكيمو، الذين طوروا أساليب خاصة للبقاء على قيد الحياة في بيئة شديدة البرودة، مثل بناء المنازل الجليدية التي تحميهم من الرياح الباردة ودرجات الحرارة المتدنية. هذه المنطقة، رغم صعوبة الظروف، تحتضن حياة برية خاصة، مثل الدببة القطبية والفقمات، التي تكيفت مع هذه البيئة القاسية.
4. إقليم أنتاركتيكا (القارة القطبية الجنوبية)
إقليم أنتاركتيكا هو بلا شك واحد من أكثر الأماكن برودة في العالم، بل يعتبر القارة الأبرد على وجه الأرض. درجة الحرارة في هذه القارة غالبًا ما تتجاوز -60 درجة مئوية، ولكن يمكن أن تصل إلى -89.2 درجة مئوية في بعض الأحيان، وهو الرقم الذي سجلته محطة في القارة في عام 1983، ويعد رقمًا قياسيًا لدرجة الحرارة في العالم.
تتميز أنتاركتيكا بكونها خالية من السكان الدائمين، حيث لا توجد بها مدن أو تجمعات سكانية دائمة، بل توجد فقط محطات بحثية علمية تعمل فيها طواقم من العلماء والباحثين لفترات محدودة. يتسم مناخ القارة بالبرودة الشديدة والرياح القوية التي تجعل الحياة فيها صعبة للغاية. البيئة في القارة تتسم بثلوج دائمة، حيث تغطي الثلوج أكثر من 98% من سطحها، وهي تتشكل طبقات جليدية ضخمة تحتوي على ما يقارب 60% من مياه الأرض العذبة.
تتمتع القارة بمجموعة من التضاريس الجليدية، مثل الأنهار الجليدية، والجبال المغطاة بالجليد، التي تساهم في البرودة الشديدة في المنطقة. كما تعتبر أنتاركتيكا موطنًا للعديد من الأنواع الفريدة من الحيوانات والنباتات التي تمكنت من التكيف مع البرودة الشديدة، مثل طيور البطريق، التي تشتهر بأنها قادرة على تحمل درجات حرارة منخفضة بشكل غير عادي.
تأثير البرودة على الحياة في هذه المناطق
يختلف تأثير البرودة في هذه المناطق من مكان لآخر. ففي جبال إيفرست، يشكل الطقس البارد خطرًا على المتسلقين، حيث يتسبب نقص الأوكسجين في صعوبة التنفس والارتفاع في حالات التسمم بالغازات السامة. أما في أوشيا، فإن البرودة تتسبب في تجميد المياه والموارد الطبيعية، مما يجعل الحياة غير مستدامة إذا لم يتم اتخاذ تدابير التكيف مع هذه الظروف.
في أنتاركتيكا، على الرغم من درجات الحرارة القاسية، هناك محطات بحثية تتمكن من البقاء في هذه البيئة القاسية. كما أن القطب الشمالي، برغم برودته الشديدة، يعد موطنًا لبعض الأنواع المتكيفة مع تلك البيئة. وبالرغم من أن الحياة في هذه الأماكن تحتاج إلى مهارات خاصة وأساليب عيش مبتكرة، إلا أن هذه المناطق تحتفظ بجمال طبيعي فريد وحياة برية لا مثيل لها.
ختامًا، يمكن القول إن البرودة الشديدة في هذه المناطق تمثل تحديًا كبيرًا للبشر والطبيعة على حد سواء، لكنها في الوقت نفسه تقدم لنا فرصة لفهم كيف يمكن للكائنات الحية أن تتكيف مع الظروف القاسية وتستمر في العيش في بيئات غير مألوفة.
