الأديان الكبرى في لبنان

أكبر الأديان في دولة لبنان، التوزيع الديني، الطوائف، التاريخ، التأثير السياسي والاجتماعي

يشتهر لبنان بتنوعه الديني الفريد في منطقة الشرق الأوسط، ويُعدّ من أكثر الدول العربية تعدديةً من حيث الأديان والطوائف والمذاهب. هذا التنوع الديني كان ولا يزال يشكل سمة أساسية من سمات الكيان اللبناني، وركيزة في بنيته الاجتماعية والسياسية والثقافية، حيث يتعايش أتباع ديانات متعددة في مساحة جغرافية صغيرة نسبياً. وتعود جذور هذا التنوع إلى قرون طويلة من التاريخ، شكلت فيها الجغرافيا، الحروب، الفتوحات، والسياسات الدولية عوامل بارزة في تشكيل هذا النسيج المعقد.

ينقسم السكان في لبنان بين ديانتين رئيسيتين: الإسلام والمسيحية، ويتفرع من كل منهما طوائف ومذاهب عدة، ولكل طائفة تمثيلها الديني والسياسي والإداري. كما توجد أقلية يهودية صغيرة، وأقليات أخرى مثل البهائيين والدروز، ولكل منها حضور متفاوت بحسب المناطق والتاريخ.

الإسلام في لبنان: السنة، الشيعة، والعلويون

يشكل المسلمون المجموعة الدينية الأكبر عدداً في لبنان، وينقسمون إلى ثلاث طوائف رئيسية:

الطائفة السنية

يُعتبر السنّة من كبرى الطوائف الإسلامية في لبنان، ويتواجدون بشكل أساسي في مدن الشمال مثل طرابلس، بالإضافة إلى العاصمة بيروت، وصيدا في الجنوب، وبعض مناطق البقاع. ينتمي معظم السنّة في لبنان إلى المذهب الشافعي، ويشكّلون جزءاً أساسياً من التوازن السياسي في البلاد، ويمثلهم في النظام السياسي رئيس مجلس الوزراء وفقاً لاتفاق الطائف. تاريخياً، لعبت الطائفة السنية دوراً محورياً في الحياة السياسية اللبنانية، وبرز من أبنائها عدد كبير من الشخصيات السياسية والدينية والإعلامية والاقتصادية.

الطائفة الشيعية

الشيعة الإمامية الاثنا عشرية هم أيضاً من الطوائف الإسلامية الكبرى في لبنان، ويتمركزون بشكل رئيسي في جنوب لبنان، والبقاع، والضاحية الجنوبية لبيروت. تعتبر الطائفة الشيعية من أكثر الطوائف تنظيماً من حيث البنية الاجتماعية والدينية، ولها مؤسسات تعليمية وصحية وإعلامية واسعة. شهدت الطائفة الشيعية خلال العقود الأخيرة نمواً سياسياً وعسكرياً بارزاً، خاصة من خلال حزب الله وحركة أمل، اللذين يشكلان أذرعاً سياسية واجتماعية للطائفة. ويمثل الشيعة في النظام السياسي اللبناني من خلال رئاسة مجلس النواب.

الطائفة العلوية

العلويون هم فرع من الطائفة الشيعية، وعددهم قليل نسبياً في لبنان مقارنة بالطوائف الأخرى. يتمركزون في منطقة جبل محسن في مدينة طرابلس شمالاً، ويتشاركون تاريخاً مشتركاً مع الطائفة العلوية في سوريا المجاورة. لا يحظى العلويون بتمثيل واسع في المؤسسات الرسمية، لكنهم جزء من النسيج الديني في لبنان، ولهم بعض الحضور في المجالس والهيئات المحلية.

المسيحية في لبنان: الموارنة، الروم الأرثوذكس، الكاثوليك، البروتستانت، والأرمن

لطالما شكّل المسيحيون أحد الأعمدة الأساسية في تاريخ لبنان الحديث، ولا سيما الطائفة المارونية التي لعبت دوراً حاسماً في ولادة الكيان اللبناني المستقل. يتفرع المسيحيون في لبنان إلى طوائف متعددة، لكل منها تاريخها ومؤسساتها وتراثها الخاص.

الكنيسة المارونية

الموارنة هم أكبر الطوائف المسيحية في لبنان، ويتبعون الكنيسة المارونية الكاثوليكية التي ترتبط بالفاتيكان. يتوزعون في مناطق جبل لبنان، كسروان، والبترون، وبعض مناطق الشمال والجنوب. يشغل الموارنة موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية في النظام السياسي، ويُعتبرون ركيزة من ركائز الكيان اللبناني. تاريخياً، أسس الموارنة تحالفات إقليمية ودولية، وكانوا في طليعة الداعين إلى استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي.

الروم الأرثوذكس

الطائفة الأرثوذكسية تُعدّ ثاني أكبر الطوائف المسيحية في لبنان. يتبع أتباعها بطريركية أنطاكية للروم الأرثوذكس، ولهم حضور ثقافي واقتصادي قوي في المدن الكبرى مثل بيروت وطرابلس وزحلة. يتميز الأرثوذكس بميلهم إلى التخصصات العلمية والمهنية، وهم يشغلون مناصب مهمة في القضاء والطب والتعليم. يمثل الأرثوذكس جزءاً أساسياً من التركيبة المسيحية السياسية، ويشغلون مناصب برلمانية ووزارية.

الروم الكاثوليك (الملكيون)

هم طائفة تنتمي إلى التقاليد البيزنطية لكنهم على اتحاد مع الكرسي الرسولي في روما. ينتشرون في البقاع الغربي وزحلة وبعض مناطق الشوف. يتمتعون بتمثيل سياسي، وإن كان محدوداً مقارنة بالموارنة والأرثوذكس.

الأرمن الأرثوذكس والأرمن الكاثوليك

يشكّل الأرمن مجتمعاً مميزاً داخل التركيبة اللبنانية، ولهم مدارسهم ومؤسساتهم الاجتماعية والثقافية والإعلامية. يعود وجودهم إلى بدايات القرن العشرين بعد المجازر العثمانية بحق الأرمن. يتوزعون بين الأرمن الأرثوذكس، المرتبطين بالكنيسة الأرمنية الرسولية، والأرمن الكاثوليك الذين يتبعون الكنيسة الكاثوليكية.

الطوائف المسيحية الأخرى

تتضمن أيضاً الأقليات البروتستانتية واللاتينية (الروم الكاثوليك الغربيون) والسريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك والكلدان. تتمتع هذه الطوائف بحقوقها الدينية ووجودها المؤسسي، رغم كونها أقلية عددية.

الطائفة الدرزية: ديانة مستقلة بطابع خاص

رغم أنهم يندرجون أحياناً ضمن المسلمين لأسباب سياسية أو إحصائية، فإن الدروز في لبنان يُعدّون طائفة دينية مستقلة تنتمي إلى تعاليم خاصة مستمدة من المذهب الإسماعيلي الشيعي، ولكنها تطورت لتصبح ديانة قائمة بذاتها لا تُقبل بها الدعوة إلا بالوراثة. يتمركز الدروز في جبل لبنان، ولا سيما في منطقتي الشوف وعاليه، ولهم دور بارز في التاريخ السياسي والعسكري للبنان. يرأس الزعامة الروحية للطائفة مشايخ العقل، في حين أن الزعامة السياسية تتمثل في العائلات التاريخية مثل عائلة جنبلاط.

الديانة اليهودية في لبنان

كان في لبنان حتى منتصف القرن العشرين مجتمع يهودي صغير ومزدهر نسبياً، يتمركز في وادي أبو جميل في بيروت، وكان لهم كنيس وعدة مؤسسات دينية واجتماعية. إلا أن الحروب العربية الإسرائيلية منذ عام 1948، والنزاعات الداخلية، دفعت معظم يهود لبنان إلى الهجرة إلى أوروبا وأميركا وإسرائيل. لم يبقَ من المجتمع اليهودي إلا عدد ضئيل جداً، ومعظمهم من كبار السن. لا يزال الكنيس الكبير في بيروت قائماً، وقد خضع لأعمال ترميم خلال السنوات الأخيرة، لكن المجتمع لم يستعد عافيته السكانية.

البهائيون وأقليات دينية أخرى

البهائيون هم أقلية دينية في لبنان، وقد نشأت الديانة البهائية في القرن التاسع عشر في إيران، وانتشرت لاحقاً في عدة دول من بينها لبنان. لا يتمتع البهائيون بتمثيل رسمي في النظام السياسي اللبناني، وهم يعيشون في البلاد كمواطنين عاديين دون اعتراف رسمي بطائفتهم.

التمثيل الطائفي في النظام السياسي اللبناني

من أبرز مميزات لبنان أن نظامه السياسي يقوم على ما يُعرف بالمحاصصة الطائفية، وهي صيغة تم اعتمادها منذ الاستقلال عام 1943 بموجب ما يسمى “الميثاق الوطني”، وجرى تعديلها وتثبيتها لاحقاً في “اتفاق الطائف” عام 1989 بعد الحرب الأهلية اللبنانية. وفق هذا النظام، يتم توزيع المناصب السياسية والإدارية الكبرى على الطوائف على النحو التالي:

• رئيس الجمهورية: ماروني

• رئيس مجلس النواب: شيعي

• رئيس مجلس الوزراء: سني

• نائب رئيس مجلس النواب: أرثوذكسي

• نائب رئيس الحكومة: أرثوذكسي

• توزيع المقاعد النيابية: مناصفة بين المسيحيين والمسلمين (64 لكل منهما)

• الوزارات السيادية: تُوزع بالتناوب بين الطوائف الرئيسية

هذا النظام يهدف إلى حفظ التوازن بين مكوّنات المجتمع، لكنه في الوقت ذاته يعمّق الانقسام الطائفي ويجعل الولاء الطائفي يتقدم على الولاء الوطني في كثير من الأحيان.

الجدول التالي يوضح توزيع الطوائف الدينية الكبرى في لبنان وفقاً لتقديرات غير رسمية بسبب غياب الإحصاء العام

المصدر: تقديرات غير رسمية تعتمد على دراسات أكاديمية ومراكز بحث محلية ودولية نظراً لغياب إحصاء رسمي منذ العام 1932.

خلاصة: لبنان بلد التعددية والتوازنات الدقيقة

يُعتبر لبنان نموذجاً نادراً في الشرق الأوسط من حيث التنوع الديني والطائفي، حيث يتقاسم الحكم أتباع ديانات ومذاهب متعددة في إطار نظام طائفي معقّد. هذا التعدد يُعدّ غنى ثقافياً وإنسانياً، لكنه في الوقت نفسه سبب دائم للتجاذب السياسي والتوتر الاجتماعي، خصوصاً عندما يطغى الانتماء الطائفي على الهوية الوطنية. إن فهم الخارطة الدينية في لبنان لا يقتصر على معرفة النسب العددية فحسب، بل يتطلب الإلمام بالعمق التاريخي والدور السياسي والاجتماعي لكل طائفة، بما يشكل انعكاساً حقيقياً للواقع اللبناني المتشابك.

المراجع:

• Fawwaz Traboulsi, A History of Modern Lebanon, Pluto Press, 2007.

• مركز كارنيغي للشرق الأوسط: تقارير حول الطوائف والنظام الطائفي في لبنان.